بيار أبي صعبليس من السهل أن تعود إلى ديوان قرأتَه في ما مضى. قد تعيش مواجهة مريرة مع الذات، أو يحاصرك احساس بالعقم والخيبة. بكثير من التوجّس والحذر، إذاً، نُمْسِكُ بالكتاب المزدوج الذي أصدرته «دار النهضة» البيروتيّة، وعلى غلافه الأخضر العشبي اسم أمجد ناصر (1955). لكنّ خطوة صغيرة داخل «سُرَّ مَن رآكِ» (1994) تسقط أي وضعيّة دفاعيّة. هذا الشعر طازج ومدهش، يؤكّد مكانة صاحبه على خريطة القصيدة المعاصرة. نحن في قلب عالم حسيّ، مصنوع من الضوء والروائح والبياض والأنوثة والرغبة والكلمات البريّة: «يا فائقة النمش/ بدويّة البرد/ باعدي قليلاً ليصل الهواء/ إلى الكمأةِ المنبلجة/ تحت المحراث». ديوان العشق يتسع لزوار سريّين كسعدي يوسف وأنسي الحاج ومحمد الماغوط، لكنّه لا يشبه إلا الرجل الذي يكتب على صفحة كاملة: «قلبي يرتجف من برد قديم».
صاحب «رعاة العزلة» (1986) جاء قصيدة النثر من البداوة والتفعيلة والعمل الفدائي وحياة المنافي، مستعيضاً بالحسّ عن الشعور، بالأشياء العابرة عن الأفكار الكبيرة. معالجاً الغربة بالشبق. مروّضاً الحاضر بصفته انعكاساً طفيفاً لماض ثقيل. «محرّراً الكلمات من ذاكرتها» بتعبير أدونيس. إنّه «المتربّص الكئيب»، يتخذ من سقوط غرناطة مجازاً لانهيار العالم، في «مرتقى الأنفاس» (1997) النصف الآخر من اصدار «النهضة» (نشرت وزارة الثقافة الأردنيّة أيضاً أعماله الشعرية). الندمَ؟ «أبٌ يرسم أبناءه القتلى أدلاّء إلى التيه/ ويلوكُ عشباً صامتاً على رابية». كلّ مرّة نحتفي بهذا الشاعر الأردني «الشاب» (الوقت يمرّ على غفلة من الجميع!)، ثم نتركه ونعود إلى شعرائنا الكبار. ربّما حان الوقت كي نعيد النظر بتصنيفاتنا.