نوال العليامرأة، امرأة، امرأة، رجل، بيت، مرق الدجاج، حقل من الذرة، جنس، دهشة رجل برائحة حذاء، يد امرأة تفرك عضوها، وفي الصيف تفتح المروحة على العضو نفسه. الحرارة فائضة، الكتابة مكيف يطلق هواء حاراً بدلاً من البارد، حكايات تسجيلية لواقعيات فانتازية، رائحة منفرة، شخصيات ناتئة، لا لللاوعي، نعم للوعي الجارح. الوعي المدقوق كمسمار في جدار، وجدار. هذه محاولة عبثية من القارئ أن يقلد كاتباً. القاص السوريّ حازم سليمان يكتب «بدهشة رجل نجا من كارثة»، رغم ذلك يترقب صاحبنا قاتله الحرّيف بلا اكتراث: «الملل».وربما يملّ صاحب هذه الذهنيّة لكثرة ما يلاحظ. ويدقق مثل ساعاتيّ مريب عالم بمستقبل كل من يراه. لنر إلى مقطع من إحدى قصص مجموعة «كائنات لينة» (دار الانتشار العربي). وهي بعنوان Week End: «طفل مدلل يقود شاحنة، عجوز لا تعرف بأنها ستموت بعد ساعة، شرطي يتحرك مثل آلة كهربائية، ودكان فيه كل شيء ماعدا السجائر، طريق محفورة الجوانب» ولنا أن نتوقع إلى أي حد يمكنه الاسترسال.
ليس هذا كتاباً رديئاً. حتى وإن زعم صاحب «المسرّات» ذلك. «كائنات لينة» هو فعلاً كما يوحي عنوانه، كائنات تتحرك متئدةً ولدنةً وببطء مقصود، أما اللغة الطلقة فتدخلها الشمس جيداً.
و منذ «لأكثر من أحد» القصة الأولى في المجموعة، تعرف أنك دخلت فانتازيا ثقيلة وموثقة بشدة إلى الحقيقة. لنقل إنها فانتازيا واقعية. قصة يختلط فيها الأمر، هل كانت المرأة هي البيت أم أن البيت هو فعلاً كذلك، والمرأة ليست إلا قاطنته. «كل صباح تفيق المرأة لتجد في فراغ الرجل الغائب ملعقة كانت وردة، وغطاء مشروب غازي كان خاتماً، ودمية قطة تموء حين تضرب على قفاها، تعود لتنتظر الرجل المحني الظهر كأمل ضعيف أن يعود إلى البيت الذي لا يصله مصعد لكن الشمس تدخله جيداً، والمطر، والعصفور يغط ويطير».
تضم المجموعة في غالبها قصصاً قصيرة، وإن تجاوزت بعض العناوين أن تكون قصة واتسعت لتصير نصاً مطلقاً مثل «أفكار خاصة وأخرى علنيّة». لنر كيف يتحول القاص هنا إلى مجرد متأمل شديد الإنطواء «مفرش الطاولة راقصات صغيرات، قلما أستطيع دعوتهن إلى كأس في غفلة زوجتي»، أو «في غرفة النوم سرير واسع جداً، قلما نستخدمه كاملاً. أقصى يساره دائماً... حيث لا يسمع أصوات فرحنا الصغير ذلك النائم بفردة حذاء واحدة، وإصبع لا يفارق فمه». لو أن هذا النص سمي نص «الـ «قلّما»، فكل تفصيل فيه بعيد المنال ونادر الحدوث.
في الحقيقة إن هذه الشاعرية المفرطة، ليست متوافرة في المجموعة بكثرة، بل إن كل قصة حملت في ذاتها نفساً خاصاً لن يتكرر كثيراً في قصة أخرى. باستثناء اللغة التي تتنفس برحابة صدر مهما كانت فظاظتها أو رقتها أو إباحيتها أو كل ما هي مجعولة لأجله. هكذا تبدأ قصة «صوت المقاتل العربي» مثلاً «كان صفوت يستمني خلف سيارة الجيب على ابنة معلمه المساعد الأول أبو توفيق، حين لقطته دورية الشرطة العسكرية، وقضى ثمانية أشهر في سجن تدمر، يروي لشركائه العساكر، كيف كانت... تلعب بنفسها وهي جالسة على الشرفة». نعم، هذه القصة وذلك النص ينتميان إلى مجموعة واحدة، لا يجمع بينهما سوى اسم الكاتب.