في «أبناء الجبلاوي»، تبحث شخصيّات إبراهيم فرغلي عن ذاتها وسط متغيِّرات العالم، تماماً كما عاد المسيح في إحدى روايات دوستويفسكي ليجد أنّ العالم تغيّر، ففضّل العودة من حيث أتى. نقرأ هنا عن رادوبيس والسيد أحمد عبد الجواد ونفيسة، وأيضاً عن عاشور الناجي الذي يصرح لبطل الرواية كبرياء: «الحارة كلُّها الآن في حالة من الفوضى التي لم تعرفها من قبل». البحث عن روايات نجيب محفوظ المختفية هو محور الرواية. كان في ذهن فرغلي أن يكتب حكاية شاب لقيط يعيش في أحد الملاجئ من دون أي إشارة إلى محفوظ. بدأ الكتابة، لكنّه انتقل إلى رواية «جنية في قارورة» فأنجزها. وقبل نشرها، قرر العودة إلى «أبناء الجبلاوي». «كنت كتبت «أبناء الجبلاوي» على دفتر اكتشفت أنَّ زوجتي نقلته مع كتب وأشياء أخرى إلى مخزن في منزل حماتي، وذلك خلال انتقالنا من شقة إلى أخرى. كان العثور على الدفتر بمثابة معجزة، لهذا قررت إعادة كتابة الرواية من الذاكرة». ويضيف: «لجأت إلى محفوظ للتأمّل في مفهوم الكتابة وتقنياتها وعلاقاتها بالجنس باعتباره «ترمومتر الحرية»، إضافةً إلى الواقعيّة وغيرها من المفاهيم الفنيّة». ويوضح: «نحن نحتاج إلى إعادة طرح السؤال من جديد: ما هي الرواية؟ وما هو واقع هذه الرواية الآن وعلاقة المنجز الأدبي الراهن بما سبقه؟».يكتشف أبطال الرواية أنّ أزمتهم الحقيقية هي ثقل الماضي واستمرار البحث عن هوية، بينما فكرة الرواية الأساسية تقوم على «البحث عن أعمال كاتب في الماضي وسرد حكاية جدٍّ عجوز». يوضح فرغلي: «اختفاء أعمال محفوظ هو جزء من اندثار قيم أو تراث، يعادله في المقابل استعادة كبرياء لسيرة جدِّه، في محاولة للبحث عن جذوره. إنَّها محاولة لنفي الأب، لكنَّها محاولة تبدو مبتورة، لأنَّ الجدَّ أصل الأب. إنّها أيضاً سخرية من فكرة نفي الأب بشكل مراهق بدعوى التمرُّد». هذا أحد أوجه الخلاف بينه وبين كتَّاب التسعينيات في مصر: «أخاف جداً من الكليشيهات، ومنها تلك التي شاعت عن فكرة هدم الأب. أخشى أن تتحول الأفكار الثورية إلى دوغما جديدة».
هو ضدّ تمجيد الأب، لكنّه أيضاً مع تواصل الأجيال وضدّ القطيعة: «النصوص التي حققت هذه المعادلة الصعبة قليلة جداً، وأهمها رواية ياسر عبد الحافظ «بمناسبة الحياة»». مع «أبناء الجبلاوي» يحاول الفرغلي تطبيق هذه المعادلة. من جهة يستعيد محفوظ، فـ«كونه كلاسيكياً لا يعني نفيه، لأنَّه هو نفسه كان يتجدَّد ويتجاوز المراحل». ومن جهة أخرى تؤكّد الرواية أنّ التثوير يعني «هضم التقليدي الكلاسيكي جيداً واستيعابه كي نتعلَّم هدم النص وإعادة بنائه».