شاعر كهذا، كبرت طاقاته وأحاسيسه إلى درجة أنّها لم تعد قادرة على معالجة الأمور الصغيرة. حتى عندما تغيب المآسي من الواقع ــــ وهي لا تغيب إلّا موقتاً ــــ يبحث عنها في المآسي القديمة. في قصيدة «تلاشى في بخار ساخن» (ص. 13) يروي الشاعر الألماني المعروف، على نحو استرجاعي، قصة حرق الكتب قبل مئات السنين في الإسكندرية بأمر من الخليفة. إحالة تقول كلّ شيء: كل تجربة عرفها الإنسان في الأزمنة البعيدة، محفوظة في ثلاجة الذات والذاكرة، طريّة كأنها حدثت بالأمس، أو هذا الصباح: «وبما تبقى من الحمام/ الذي أحرقت فيه ذات يوم كتب/ على امتداد ستة أشهر، بأمر من الخليفة/ كما كان الحال عليه في أربعة آلاف حمام عاماً آخر/ في الإسكندرية». هكذا تعود المحرقة، محرقة الكتب، ومعها كلّ أنواع المحارق، إلى القصيدة التواقة دوماً إلى تخفيف الضرر وتأجيج الندم. يعود سارتوريوس، إلى الذكرى البعيدة التي عاشها أخوه الإنسان في الماضي، «وهي عودة إلى الماضي كي نتفكّر: عودة للصخور المنهارة التي لا يمحوها زمن عند حافة المرفأ» (ص. 50).
منذ غوته، ارتبط الشعراء الألمان بثقافة الشرق
على طريق قسطنطين كفافي، أو ربما تكريماً لهذا الشاعر اليوناني الذي سكن الإسكندريّة مطلع القرن العشرين، يرصد سارتوريوس عروس المتوسّط والمدن القريبة منها. بل إنه كتب قصائد عدة عن كفافي، منها «كفافي يناقض سينيكا» (ص. 38) . «أربع قصائد لم تنشر قبل الآن من تراث قسطنطين كفافي» (ص. 48). وهو أيضاً منجذب إلى الشاعر الألماني غوتوفريد بن، وإلى الشاعر الفرنسي أرتور رامبو. يواخيم سارتوريوس يؤكد فكرة ارتباط الشعراء الألمان، منذ غوته، بثقافة الشرق. إنّه شاعر الحوار الإنساني بحقّ.