طوال الأسابيع الماضية، ساهم قانون الإعلام الانتخابي في فرض رتابة على المشهد التلفزيوني، لم تعوّضها المحطات اللبنانية ببرامج مبتكرة. مساء غد، سيكون الوضع مختلفاً: فالحماسة في الذروة، والتشويق على أشدّه، والبلاتوهات جاهزة للاستعراض. استعدّوا إذاً لـ«سهرة انتخابية» لم يألفها المشاهد العربي
صباح أيوب
يطلّ سعد الحريري مبتسماً، يعلو التصفيق، تَصدح الهتافات، يُدلي بصوته، تتزاحم الكاميرات «شيخ سعد... رح تربحوا؟» تطلق مراسلة «الشاشة الزرقاء» صرختها وهو... يبتسم. تنتقل الكاميرا فجأة إلى بتغرين. ميشال المرّ محمولاً على الأكتاف يحيّي الجماهير، والزهور تنثر على رأسه، «بو الياس كلمة لمنافسيك...». في الوقت نفسه، تبدأ الشاشة البرتقالية ببثّ خبر عاجل، مفاده «توجّه الجنرال ميشال عون إلى قلم الاقتراع في حارة حريك»، وفي الصورة مراسل يحمل لوائح ملغومة من زحلة ويعرضها أمام الكاميرا. الحَاجّة السبعينية تخرج من مركز الاقتراع، «تهجم» المراسلة صوبها: «من انتخبتِ يا حجّة؟»... وفي المساء، تكثر المؤتمرات الصحافية الشاجبة، والكاشفة لعمليات الغش والتزوير، تليها إشكالات أمنيّة في الأحياء والبلدات. وينتهي اليوم الطويل من وزارة الداخلية: تلاوة النتائج... فاحتفالاتهذا المشهد الإعلامي ـــــ الانتخابي النموذجي نسخة مكررة شاهدناها من قبل، ويُرجّح أن يعود بعضه غداً على الشاشة. يوم الاقتراع الكلاسيكي يفرض صورة معيّنة لا مفرّ منها. ونحن كمشاهدين بتنا على علم مسبق بما ستنشغل به كل محطة ـــــ وفق توجّهها السياسي ـــــ بدءاً من مساء اليوم. المشهد الإعلامي ـــــ السياسي اللبناني مضجر، وخصوصاً بعد وصول الحملات الانتخابية الى ذروتها في الأسابيع الماضية. قانون الإعلام الانتخابي خفّف من وطأة الحدّة، لكنه فرض رتابة لم تستطع المحطات أن تعوّض عنها بتحقيقات قويّة، أو برامج مبتكرة، طيلة فترة الحملات. ملل عام لم يخفه مديرو أقسام الأخبار والمعدّون في المحطات اللبنانية. أما بالنسبة إلى اليوم الانتخابي وسهرته، فقد استدركت بعض المحطات الوضع، وقررت تفادي رتابة المشهد الانتخابي، وجاء الحلّ «على الطريقة الأميركية»!
لا شكّ في أنّ بهرجة الانتخابات الأميركية الأخيرة، وما رافقها من حمّى استعراضية أثرت في أصحاب المؤسسات الإعلامية اللبنانية. الجميع يتحدّث عن «غرافيكس» على طريقة الـ«سي إن إن»، وعدّادات لمتابعة الفرز بين لحظة ولحظة. والجديد هذه السنة «سهرات انتخابية» تجمع بين الاستعراض السياسي في الاستديو والمتابعة الميدانية لمجريات الانتخابات. «الإشيا اللي بتبهر أهمّ من النتائج!» يقول جورج غانم مدير قسم الأخبار في «المؤسسة اللبنانية للإرسال». LBC استقدمت فريق عمل أميركياً كي يصمّم استديو بثّ شبيهاً باستديوهات محطة NBC الأميركية وهو سيشرف على «مبدأ البث وشكله فقط» كما يوضح غانم. التحضيرات في المؤسسة بدأت منذ ثلاثة أشهر تقريباً عندما حجزت LBC كل شاحنات البث (SNG) وكلّفت المراسلين ببعض المهمات وحضّرت لسهرة استعراضية ستبقي هواء المحطة مفتوحاً حتى صدور النتائج. «أخبار المستقبل» بدورها ستتجنّد لثلاثة أيام بكامل طواقمها التقنية والبشرية وستخصص برنامجاً مسائياً طويلاً لمتابعة تطور فرز الأصوات. أما قناة «الجديد» فتسعى إلى تقديم صورة مختلفة رغم بعض العراقيل التي تواجهها وخصوصاً في استقدام شاحنات البث. «أرض الانتخابات خصبة جداً. لنعمل على تقديم ما يهمّ الناس فعلياً في هذا اليوم» تقول مديرة قسم الأخبار في «الجديد» مريم البسام. المحطة ستفتّش على Light stories لتتجنّب الدخول في الأرقام والترجيحات الباكرة. ولم تحضر السياسة في كلام مسؤولي الأقسام كثيراً، فالاهتمام الآن على تقديم تغطية شاملة ومختلفة لجذب أنظار المشاهدين. لكن المحطات اللبنانية المحسوبة على أطراف سياسية أساسية في المعركة الانتخابية هي ـــــ شاءت أو أبت ـــــ جزء من الصراع والدعاية والإعلام «الملغوم»، فهل ستنجح في إخفاء «تورّطها» السياسي ببريق الاستعراضات؟ رئيس تحرير قسم الأخبار في OTV جان عزيز مطمئن. إذ يعتبر أنّ «المعركة الانتخابية الأساسيّة هي على الساحة المسيحية وتحديداً على الجنرال ميشال عون». لذا، فهو مطمئن إذ إن «التركيز سيكون كلّه علينا!». قسم الأخبار في OTV زوّد مراسليه الميدانيين بـ«دليل عملي للتغطية» حول قانون الانتخابات وسيركّزون على المخالفات التي قد ترتكب خلال اليوم.
فضائياً، اعتاد الحدث اللبناني أن يحتلّ أولوية في مساحات هواء كل من «الجزيرة» و«العربية». لكن حماسة «الجزيرة» وتأهبها ـــــ الغائب عن أجواء «العربية» ـــــ أعادنا إلى أيام عدوان تموز 2006. غسان بن جدو، مدير مكتب «الجزيرة» في بيروت «نشر المراسلين في المناطق»، واستدعى «عناصر الدعم البشرية من قطر» وأعلن «جهوزية تامّة» لمواكبة الحدث اللبناني على مدى ثلاثة أيام. «لن نجامل، لسنا وسيلة بروباغندا» يشدد بن جدو. اهتمام بـ«الديموقراطية» أشهرته قناة «الحرة» الأميركية الناطقة بالعربية. لذا، فالقناة ستواكب الحدث «الديموقراطي» اللبناني كما واكبت الانتخابات في العراق ومصر. كيف لا؟ والتحضير للانتخابات اللبنانية كان قد بدأ في واشنطن منذ بداية السنة.


استنفار إعلامي