زياد عبد اللهتطالب الذاكرة الفلسطينية الماضي بألّا يغيب، وتنفتح في الحاضر على مزيد من الوحشية الإسرائيلية بإصرارها الدائم على تزوير الحقائق. هذا ما يؤكده فيلم حنا مصلح «ذاكرة الصبّار ـــــ حكاية ثلاث قرى فلسطينية» (جائزة «المهر العربي» للأفلام الوثائقية في«مهرجان دبي السينمائي» الأخير). يسرد الشريط قصة تهجير أهالي قرى اللطرون (عمواس، يالوا، بيت نوبا) غربي القدس، ونحن على عتبة عملية تهجير جديدة للمقدسيين. الصبّار هو كلّ ما بقي من تلك القرى، ولعلّ أشواكه تخبرنا كم كانت دامية مصائرها وكيف أقام الإسرائيليون على أنقاضها حديقة عامة سمّوها «حديقة كندا».
يبدأ حنا مصلح فيلمه بصور للمهجّرين عام 1967، التقطها للمفارقة مصور إسرائيلي يدعى يوسف هوكمان. بحثَ مصلح في الأرشيف الإسرائيلي عن صور وأفلام صوّرت التهجير، وواجهته عراقيل كثيرة ومنعَت عنه وثائق عديدة.
المساحة الأكبر في الفيلم تحتلّها الحاجة عائشة، أم ناجح، وهي تستعيد تفاصيل تهجيرها المؤلمة. تخبرنا كيف طلب منها الجيش الإسرائيلي الذهاب «لعند حسين» (الملك الأردني الراحل)، لتترك أمها العجوز في البيت وتذهب مع زوجها وأولادها، على أن يعودوا ويأخذوها. لكنّ الأم العجوز تختفي، ويرجّح أنّها قضت تحت الأنقاض. يروي الفيلم، مسيرة الجوع والعطش التي عاشتها أم ناجح وأولادها، وكيف اعتقلها الجنود الإسرائيليون مع نساء أخريات في سيارة وكيف يقتلون أزواجهنّ.
تتواصل مأساة أم ناجح، فيخطف المرض حياة أحد أبنائها، ويكبر أولادها من دون أن يعرفوا والدهم. كلُّ ما تطمح إليه الحاجة التي بلغت الخامسة والسبعين، هو أن تدفن في تراب قريتها. أبناؤها أيضاً يتوقون إلى العودة، لا شيء إلا العودة.
قصّة أم ناجح واحدة من آلاف القصص، يركّز عليها المخرج في اختزال مكثّف لما حلّ بأهالي قرى اللطرون. في الشريط الوثائقي يتحدّث الباحث الإسرائيلي إيلان بابه مؤكداً سياسة التطهير العرقي التي اتبعتها العصابات الإسرائيلية في تلك القرى الثلاث.
فيلم «ذاكرة الصبّار» مؤلم ومسكون بفاجعة القرى المهجّرة، كما تردد فيروز في الخلفيّة الموسيقية للفيلم: «بعدنا من يبسط الحقول ومن يملأ السلال».