سهرة الأحد التي بدأت بالتشويق، سرعان ما استنفدت مفاجآتها... فبدت رتيبة، على إيقاع التوقّعات. وحدها LBC جاءت باختراع ميدياتيكي جديد، فهل نجحت في تطبيقه محليّاً؟
ليال حداد
الشاشات اللبنانية التي نامت على غبار معركة الأحد الانتخابيّة، صحت أمس على رتابة لم يعكّر صفوها سوى ملاحق مباشرة تنقل الإعلان الرسمي للنتائج. هكذا، أطلّ الثامن من حزيران (يونيو)، مختلفاً عمّا سبقه، فهدأت النفوس، واستراحت المحطات اللبنانية ـــــ في انتظار عاصفة جديدة؟ ـــــ من يومها الانتخابي الطويل. لكنّ هدوء الاثنين، لا يشبه صخب الليلة التي سبقته. بدأت السهرة عند السابعة، ولم تنته إلا عند الرابعة صباحاً، على وقع انتصار قوى «14 آذار»... الذي انعكس على شاشاتها. ما إن بدأت تتضّح الصورة حتى اختلف المشهد بين المحطات «الفائزة» و«الخاسرة». بولا يعقوبيان مبتسمة ومرتاحة على «أخبار المستقبل»، وليد عبود على Mtv وجد الوضع مناسباً لإلقاء نكتة عن بثّ Otv للموسيقى الكلاسيكية (حداداً؟)، جورج ياسمين مرهق و... مخذول على الشاشة البرتقالية، جورج صليبي يعيد على «الجديد» مع ضيفه جوني منيّر التحليلات التي سمعها المشاهد طيلة النهار، «المنار» تكرّر نتائج النبطية وبنت جبيل وبعلبك الهرمل... أما مارسيل غانم فبقي، حتّى النهاية، نجم السهرة بلا منازع.
ما إن أُقفلت صناديق الاقتراع مساء الأحد، حتى أطّل غانم، وإلى جانبه شقيقه جورج مدير الأخبار في «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، من الاستديو الذي أنشأه فريق أميركي من محطة NBC الأميركية. لا شكّ في أن تجربة LBC التي استحوذت على انتباه نسبة كبيرة من المشاهدين كانت فريدة، مقارنة بباقي التغطيات المسائية التي بدت رتيبة ومألوفة. إحصاءات وأرقام ورسوم غرافيكية، وألوان... واستباق (تقريبي جداً) للنتائج... كل ذلك خلق التشويق. كانت هناك محاولة واضحة لإحياء سهرة انتخابية تليق بكبريات المحطات الغربيّة، الاستديو مجهّز بأحدث الإمكانات الغرافيكية، تقنية ثلاثية الأبعاد، خبيرا احصاء أحدهما على البلاتوه، ومحلل سياسي... مواكبة عمليات الفرز تجاوزت «البهرجة» إلى محاولة تقديم معطيات ملموسة بالأرقام، وخلق سجال سياسي حولها، واستشراف المستقبل. كل هذا يعرفه جيّداً مشاهدو المحطات الأجنبيّة... مع فارق بسيط أن مؤسسات الإحصاء في الغرب متمرّسة ومتمكنة فعلاً من أدواتها ومصادرها، وتنظيم اللعبة أكثر دقّة، والمصادر الرسميّة أكثر سيطرة على الوضع. هنا بدا الخلل واضحاً، واستباقات الـ Exit polls التي صعقنا بها مارسيل في البداية، اختفت فجأة عن الشاشة ومعها ربيع الهبر وشركته Statistics Lebanon التي كانت تنقلها. الجمهور اللبناني يريد أرقاماً نهائيّة ليحتفل! خبير الإحصاءات الآخر على البلاتوه (كمال الفغالي) وقع أيضاً في التقريبيّة والضبابيّة والارتجال، علماً بأن أغلب النتائج التي نقلها المراسلون بدت الأكثر دقّة ـــــ إلى جانب «الجديد» ـــــ بين سائر المحطات. أما فكرة الضيوف على البلاتوه (مبدئياً فيتوقع المشاهد مواجهات سياسيّة: لكن واقعنا بعيد عن تلك التقاليد)، فبدت أيضاً مرتبكة ومبتورة ولم تذهب إلى نهايتها. وحدها إطلالات سياسيي الصف الأول عبر شاشات الاستديو أنقذت الموقف، وأعطت للآلة الضخمة بعض معناها.
فضل «ال بي سي» أنّها جرّبت تطوير تقنيات إحياء السهرة الانتخابية التي سينسخها الجميع تباعاً بلا شك. لكن لا بد في المستقبل من سد الثغر: مؤسسات إحصاء متمكنة ومتجذّرة في المجتمع الأهلي، سيطرة أدق من قبل وزارة الداخليّة، فصل تربوي وبصري ونفسي واضح بين التوقعات والنتائج، إقناع سياسيين متنافسين بالمجيء إلى الاستديو... وإلا فكيف للاستعراض (الديموقراطي) أن يستمرّ ويسلّي الجماهير؟