حسين بن حمزة«رصاص الموناليزا» يليه «أكبر من قميص» (دار النهضة)، مجموعتان في إصدارٍ واحد للشاعر المغربي عزيز أزغاي، الذي يُقدم إلينا مقترحين شعريين شبه منفصلين. في العادة، يسبح الشعراء في ماء التجربة نفسها. تتغيّر بعض التقنيات والمعالم اللغوية، وتتسرب مفردات وصور جديدة إلى معاجمهم، لكنهم يكتبون بالجملة أو النبرة التي بدأوا بها. نسوق هذه الملاحظة لنقول إننا نشعر بفرقٍ واضحٍ بين مجموعتي أزغاي. ليس القصد أن كل واحدة منجزة بعكس الأخرى. القصد أنّنا نخرج بانطباعين مختلفين تقريباً. في الأولى نعاني عسراً في الوصول إلى معالم الصور والاستعارات التي يُنجزها الشاعر، وفي الثانية يبدو الأمر أقل عسراً. قد نكون واهمين. قد يكون مصدر راحتنا في المجموعة الثانية متأتياً من الإرهاق الذي تكبدناه في وعورة الأولى. لكن سواء كان ذلك وهماً أو حقيقة، فإنّ جَهْرَنا بوعورة ما يكتبه أزغاي يظل مشروعاً. في المجموعة الأولى، هناك وعورة كاملة. وفي الثانية وعورة جزئية. واللافت أن الوعورة، حين تحضر، ليست شيئاً زائداً عن حاجة النص الشعري. إنها مكوِّن أساسي فيه. إذا كان الشعراء عموماً يكتبون بقصد التواصل مع القارئ، فإن أزغاي يبدو كمن يرغب في هدم أي جسر يمكن أن يعبر عليه هذا التواصل، أو لعله يطمح إلى إشراك القارئ في وعورة ما يكتبه، معتبراً أن شراكةً من هذا النوع كافية. لنقرأ في المجموعة الأولى هذا المقطع الذي يتحول فيه الشعر إلى معضلة لغوية: «النملُ الذي يذبُّ في المسام/ ليس درساً لترويض المشقة/ إنما الحيلة في الخيال/ الضحكة التي تتسلق الأعصاب/ لم تعد بحاجة إلى يد/ لتلطيف العجمة». بينما نجد في الثانية أمثلة مختلفة وأكثر وضوحاً في المعنى: «قبل قليل/ مرَّ شخص ما ورائي/ ترك قتلاه بلا دفن/ وبضع جمل/ بسكاكين/ ورثاءات/ غير أني تَعِبٌ/ ولا أقوى على الأفلام».
في الحالتين، يُشعرنا عزيز أزغاي بجملة قوية وقاموس ترتطم المفردات في داخله بدلاً من أن تتجاور بهدوء. لغته متينة من دون فصاحة تقليدية. الوعورة التي تحدثنا عنها هي حصيلة خلطة سريالية تظل محتفظة بفجاجة ما تطرد القارئ أو لا تنجح في توريطه بالمعنى المستهدف. الفجاجة والوعورة متوافرتان بكثرة. ونجد ترجمات متعددة لهما. في المقطع التالي، مثلاً، يصعب على القارئ أن يحزر أين تكمن عذوبة الاستعارة الشعرية الناتجة عنه: «رجلٌ مائل وكثيف/ لمجرد أن يفتح فمه المشمول بالذهب/ ينتابكَ شريطٌ من الأقدام».
لا يبحث القارئ عن الوضوح والبساطة بالطبع، لكن من حقه أن يتساءل: هل وعورة الشعر تعني إطاحة معناه؟