تونس ــ نبيل درغوثلقد تمكَّنت الرواية الجزائرية من اكتساب مكانة مرموقة ضمن المدوَّنة الروائيَّة العربيَّة، وروايات واسيني الأعرج خير مثال على ذلك. الناقد والباحث التونسي كمال الرياحي، خصّ الأعرج ببحث أكاديمي عن تجربته الروائية، جاء بعنوان «الكتابة الروائية عند واسيني الأعرج» (منشورات كارم الشريف ــــ تونس).
يقول المؤلف في مقدمة عمله: «انعطف الروائي واسيني الأعرج على الواقع الجزائري منذ الثمانينيات، يلاحق محنه وهزّاته السياسية والاجتماعية من دون أن يهمل الهاجس الفني، فجاءت أعماله متجدّدة في أسلوبها ولغتها وتشكيلها واختلفت خامات نسيجها. وتواصل التزام الرّوائي بقضايا وطنه، إذ نهضت ذاكرة المحنة جزءاً من ذاكرة شعب، يسعى واسيني الأعرج جاهداً إلى تسجيلها. هذا ما أكسب تجربته خصوصية واضحة في زحمة النصوص المنشورة داخل الجزائر وخارجها».
يشرّح الكتاب الخصائص الأسلوبيّة في روايات الأعرج، واضعاً تحت المجهر رواية «حارسة الظلال» نموذجاً مثالياً لذلك. شملت الدّراسة مستويات عدة في المقاربة السرديّة، حيث انطلق الباحث في الفصل الأوّل من عتبات النّص التي تعدّ جزءاً من عمليّة بناء النّص عند الروائي التونسي. وقد حصر الباحث هذه العتبات في العنوان الروائي وتحوّلاته، وخصائص العنوان المزدوج في «حارسة الظّلال» (دون كيشوت في الجزائر)، وخاصيّة الإهداء ما بين إهداء الأثر وإهداء النّسخة. كما تطرّق إلى الشّواهد وفواتح الفصول بشكل موسّع.
أمّا الفصل الثاني، فتناول المستوى الفنّي، إذ يتفرغ فيه الباحث للحديث عن أشكال توظيف الفنون الجميلة والصحافة وأثرها في هندسة النص الروائي من جهة، وفي توجيه عمليَّة التلقِّي من جهة أخرى. يغطّي البحث الخصائص الفنيّة التي تتنوّع ما بين الكولاج والمونتاج وتوظيف المواد غير الأدبية والنص الصحافي، ودمج اللوحة التذكارية إلى جانب خصائص أخرى كالمكان والشّخصيّة المبتورة الجسد وغيرها. أمّا في الفصل الثالث، فيعرّج الباحث على مستوى ثالث من مستويات الكتابة عند الأعرج، تتمثّل في استخدام تقنيّة «التضافر النصّي»، حيث يبحث في أنماط العلاقات التي نسجها نصّ «حارسة الظلال» مع نصوص عربية مثل «الضوء الهارب» لمحمد برادة و«الحوّات والقصر» للطاهر وطّار، وأخرى غربية مثل «دون كيشوت» لثرفانتيس، و«كارمن» لميريمي، ومع نصوص الكاتب نفسه من ناحية ثانية. في الفصل الرابع والأخير، اهتمّ الباحث بالمسألة الأجناسية كما تُطرح في النص الرّوائي، متطرقاً إلى التلوينات الأجناسية الأخرى التي تخلّلت نصّ «حارسة الظّلال» من الأسطورة والخرافة والسيرة الذاتية واليوميّات.
يقول الناقد المغربي سعيد يقطين: «قراءة حاذقة وعاشقة تلك التي أقدم عليها كمال الرياحي بحذق الناقد وعشق المبدع ليتحرك في فضاء رواية واسيني الأعرج... كما يتفنّن كمال الرياحي في استجلاء تفاصيل الأشياء وفروقات المواضيع ينفذ إلى أعماق النص المحلَّل فيبيّن عن قدرة هامة في الرصد والتتبع، وكفاءة عليا في تجلية غوامض الأمور. كتاب يضاف إلى رصيد تحليل السرد الروائي العربي، مبرزاً أنّ في السرد دائماً عوالم تحتاج إلى الكشف ومناطق تدعو أبداً إلى الاستكشاف».