بيار أبي صعب تستمع إلى الشيخ شفيق يتحدّث عن الأديان بمزيج من الإلمام المعمّق والاحترام الممزوج بالحبّ، وتشعر أنك أمام مرجع معرفي وأخلاقي وعلمي من النوع الذي تفتقده في راهننا الفكري، لبنانياً وعربيّاً. رجل دين مسلم، شيعي، يستشهد بالقديسة تيريز دافيلا كأحد مراجعه الحميمة، ينتقل من مولانا جلال الدين الرومي إلى الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي مروراً بالحلاج وابن الفارض... وعند قراءة كتابه «العرفان، ألم استنارة ويقظة موت» (دار المعارف الحكميّة)، تفهم أكثر جوهر هذه المقاربة «التوحيديّة» لمناهل الفكر ومصادر المعرفة. المعرفة تلك، هي كلمة السرّ في رحلته الفكريّة والروحيّة على دروب التصوّف العرفاني. إن الطريق إليها، يكتب، «إنما يكون بالمشاهدة، والشهود «هو رؤية الحقّ بالحقّ» ـــــ بحسب الكاشي ـــــ بحيث يدرك ويشاهد حضور الواحد الحقّ في كلّ هذا العالم والوجود».
العرفان إذاً، غايته الاقتراب من الحقيقة المطلقة عن طريق العقل والقلب. إنّه، حسب تحديد لابن تركه يستشهد به الكاتب، «أعم الموضوعات مفهوماً، بل أتمّ المفهومات حيطة وشمولاً، وأبينها معنى، وأقدمها تصوّراً وتعقّلاً». ويمضي الباحث العالم في تفصيل المعرفة الشاملة التكامليّة التي تجمع بين «الإدراك العلمي» لصورة الموضوع، و«التأمل» الروحي الذي يوغل في مادة الموضوع وجوهره. فصول غنيّة بإضاءاتها، واضحة في تبيان مقاصدها الروحيّة ومراجعها الفقهيّة، تتطرّق إلى العلاقة بالموسيقى، وتتناول الألم طريقاً إلى اليقظة والاستنارة، والموت كـ«عودة الأنا الفرديّة إلى الأنا المطلق». ذلك أن منطلق الوجود هو الوحدة في نظر المتصوّفة، وكل الأشكال المتغايرة تصبّ في باطن الحقيقة الواحدة...