في مناسبة مرور 23 عاماً على رحيل عاصي، عرضت المحطات اللبنانيّة شريط «كانت حكاية» الذي يحمل توقيع ريما الرحباني، وفيه تستعيد «سفيرتنا إلى النجوم» مسيرة معلّم حمل فولكلور بلاده إلى العالميّة

باسم الحكيم
صمتت فيروز طويلاً. كانت دوماً تفضّل الابتعاد عن الأضواء والبقاء في «برجها العاجي» (بحسب بعض منتقديها)، أو لنقل في مكان منزّه، أيقونةً في بال عشّاقها ومحبّيها. وإذا بـ «سفيرتنا إلى النجوم» تظهر فجأةً على الشاشة الصغيرة، أوّل من أمس، في حلقة وثائقيّة خاصة بعنوان «كانت حكاية» من تصوير ومونتاج وإخراج ابنتها المخرجة ريما الرحباني. صحيح أنّ مناسبة ظهور فيروز كانت مرور 23 عاماً على رحيل عاصي الرحباني، إلّا أنّ وضع هذه الإطلالة في إطارها الزمني ــــ مع الملابسات العديدة التي وقعت أخيراً بين عائلة الأخوين الرحباني، والمقال الناري الذي كتبه جهاد فاضل (راجع «الأخبار» عدد الثلاثاء 17 شباط/ فبراير 2009 ) ــــ يأخذ الموضوع أبعد من مجرد الاحتفاء بذكرى عاصي. حتى يمكن القول إنّ الفيلم جاء مناسبةً لوضع النقاط على الحروف، واستعادة التركة الرحبانية، وإقفال هذا الملفّ بعد الجدل الكبير الذي أحاط به! رغم كل شيء، أسعدتنا فيروز بإطلالتها وروايتها لمحطات من رحلتها مع عاصي، وخصوصاً في الأسلوب الذي اعتمدته ريما عبر اختيار مقطع لفيروز يليه آخر لعاصي من تسجيلات قديمة نادرة، ثم فاصل غنائي من إحدى المسرحيات أو أحد المهرجانات الموقّعة باسم الأخوين الرحباني.
يمرّ الشريط مروراً سريعاً على نشأة عاصي في «القرية وبين الكروم»، ثم يغوص في رحلة العمل التي يقول عاصي «إنّنا حاولنا أن نبني على الفولكلور فنّاً له ملامح عالميّة...». الحديث محوره عاصي دوماً، وعاصي وحده. تشرح فيروز أنّ «حياة عاصي القصيرة «مليانة» شغل وتعب وسهر وتسجيل ومهرجانات واستديو وإذاعة، لم يكن يرتاح وزيارته على «الدني» (كلها) شغل وزرع للجمال، فترك مملكة من الجمال ورحل باكراً». وتضيف في مكان آخر إنّ «عاصي كان يسهر لمتابعة شغله وشغل غيره».
الفيلم الذي عرضته lbc، ثم معظم الشاشات اللبنانيّة ليل الأحد الماضي، كان الهدف منه تكريم عاصي. هذا أكثر من صحيح! لكنْ كثير من المراقبين تعامَل مع الشريط بصفته أيضاً حلقة حاسمة في المواجهة الدائرة بين ريما وأبناء منصور الذين كسروا فجأةً العقد التاريخي لـ «الأخوان الرحباني»، وخصوصاً بعد مبادرة وزارة التربية إلى إدخال «فن منصور الرحباني» في المناهج الدراسية. الفيلم يقول لنا بهذا المعنى: لن يغيّب أحد اسم عاصي وتراثه، لن يشوّه أحد علاقته بفيروز... تعالوا واسمعوا الحقيقة!
هكذا، حاولت ريما أن تفصل بين «الأخوين» في شريطها الوثائقي، رغم أنّهما اختارا أن «يذوب كل منهما في الآخر، لتصبح الأعمال جميعها بتوقيع الأخوين الرحباني» حتى لحظة غياب عاصي في 21 حزيران (يونيو) 1986، ما ترك لمنصور أن يواصل الرحلة وحده إلى أن رحل قبل ستة أشهر. هذا ما أكده أبناء منصور أخيراً، في بيان يرى أنّ «أي محاولة لضرب كيان الأخوين الرحباني، لن يكتب لها سوى الفشل كما أثبتت التجارب... ونحن مروان وغدي وأسامة الرحباني، سنتصدى بجميع الوسائل المتاحة لمن تسوّل له نفسه ذلك...». وكما بدأت الحلقة بمقطع من مسرحيّة «بيّاع الخواتم»، انتهت به أيضاً بعدما عرض الشريط لمسيرة عاصي التي ينقصها شيء إذا غيّبنا القطب الثاني للأسطورة الرحبانيّة. «القصة صحيحة والضيعة موجودة»... لكنّها تبقى مبتورة في غياب منصور. أما معرفة مَن هو المبدع الحقيقي بين الأخوين... فهذا نقاش آخر.