«عاقب» مجلس النوّاب أخيراً منتقديه في السلطة التشريعيّة من خلال فرض قانون يزيد العبء المالي على المؤسّسات الإعلاميّة!
عمان ــ أحمد الزعتري
الأمور ليست على ما يرام بين الصحافة ومجلس النواب. هنا في الأردن قاطعت السلطة الرابعة أعمال السلطة التشريعية قبل أن يجري احتواء الأزمة. نحن لسنا في بريطانيا، حيث أشعلت الصحف أخيراً فضيحة تمسّ أعضاءً في البرلمان البريطاني يُثقلون خزينة الدولة بنفقاتهم الشخصيّة. ما أدى إلى استقالتهم اعترافاً بالذنب. الحال ليست نفسها في الأردن، حيث يشير تقرير ديوان المحاسبة، المعنيّ بمراقبة نفقات المؤسسات الرسميّة، إلى ارتكاب نوّاب مخالفات أكبر من «شراء زينة شجرة عيد الميلاد» كما جاء في الفضيحة البريطانيّة. هنا يعاقب النوّاب منتقديه في السلطة التشريعيّة من خلال فرض قوانين تزيد العبء المالي على مؤسّساتهم الإعلامية!
خلال افتتاح الدورة الاستثنائيّة الأربعاء الماضي، مرّر مجلس النوّاب قانوناً يلزم الصحف بدفع 5% من إيرادات الإعلان فيها إلى خزينة الدولة، بهدف دعم الثقافة. والقانون نفسه جاء في مناخ ساخن وجلسة حامية نعت فيها النائب سميح بينو بعض أقلام الصحافيين بأنّها «مسمومة ومأجورة وظالمة»، بينما استغرب النائب صالح الجبور عدم رضى الصحافة عن أداء المجلس متسائلاً: «هل نأتي لهم بنوّاب من سيرلانكا؟».
وكانت المسألة قد اتّخذت أبعاداً جديدة، حين قرر رؤساء تحرير كبريات الصحف اليوميّة («الرأي» و«الغد» و«الدستور» و«العرب اليوم») مقاطعة أخبار مجلس النوّاب وعدم تغطية جلساته، رداً على «الهجوم غير المسبوق الذي شنّه بعض النواب ضد الصحافيين خلال مناقشة مشروع القانون». لكن فعلياً، لم يقاطع الصحافيون مجلس النواب إلا يوماً واحداً. خلال كتابة هذا المقال، جرى احتواء الأزمة بين الصحافة والنواب. وبعد زيارة قام بها رئيس مجلس الأعيان زيد الرفاعي إلى نقابة الصحافيين، أصدر رؤساء تحرير الصحف الأربعة بياناً أعلنوا فيه عن عودة مشروطة لتغطية أخبار المجلس، لكن مع بقاء «الأزمة مع النواب الذين أهانوا الصحافة والصحافيين». وبعدها مباشرة، أقرّ مجلس الأعيان خفض الضريبة موضع الخلاف إلى 1%.
رئيس تحرير صحيفة «الغد» موسى برهومة برّر لـ«الأخبار» موقف الصحف اليوميّة بأنّه «ناتجٌ من إصرار مجلس النواب على تقديم نفسه بصفته معادياً للصحافة، ومقصياً المؤسسات الصحافيّة عن القيام بدورها الرقابيّ كسلطة رابعة». وأشار إلى خطوات تصعيديّة ينوي الصحافيون القيام بها كاعتصام أمام مبنى نقابة الصحافيين، واتصالات تجري مع مؤسسات وأشخاص نافذين. بينما ينفي رئيس تحرير «العرب اليوم» طاهر العدوان لـ«الأخبار» أنّ يكون موقف الصحف تجاه المجلس جاء نتيجة إقرار الضريبة، بل يعيده إلى استغلال النوّاب المناسبة للهجوم على الإعلام الذي ما فتئ ينتقد أداء المجلس منذ فترة.
وبينما يعزو النائب محمد السعدي امتعاض الصحافة من تطبيق القانون إلى «تعارضه مع جيوب أصحاب الصحف»، يشير العدوان إلى مخاطر تطبيقه على مجال الإعلان في الأردن من حيث ارتفاع سعر الإعلان، وبالتالي انخفاض الإيرادات الوحيدة التي تعتاش عليها الصحف الأردنيّة لأنّها «لا تعتمد على تمويل رؤوس أموال كالصحف العربيّة الأخرى».
على رغم التناقضات والاتهامات التي تصدر عن كل الأطراف الآن، يبقى موقف مجلس النواب ضعيفاً، وخصوصاً أنّ 56 نائباً وقّعوا قبل أشهر مذكرة تطالب الحكومة بتقديم مشروع قانون معدّل يهدف إلى إلغاء الضريبة على الثقافة، قبل أن يردّوا القانون بأغلبية 51 صوتاً، ما يشير إلى تصرّف انتقاميّ فعلاً.
وما أسهم في تأجيج هذا الغضب النيابي دراسات حديثة، أفردت لها الجرائد الأردنية مساحةً على صفحاتها، أظهرت عدم رضى الرأي العام الأردني على أداء البرلمان، إذ أشارت دراسة لـ«مركز القدس للدراسات السياسية» إلى أنّ 29 في من العينة المستطلعة غير راضية عن أداء البرلمان، فيما بيّن استطلاع أجراه «مركز الدراسات الاستراتيجيّة» أن 42% من قادة الرأي العام يؤيدون حل مجلس النواب. رغم ذلك، يصرّ بعضهم على تسطيح هذه الاستطلاعات، فالنائبة فلك الجمعاني ترى أن «عدم رضى المواطنين عن أداء مجلس النواب مرده إلى طلبهم الحصول على وظيفة»! لكن الأمر يتعدّى مطالب شخصيّة في هذه الحالة، فحتى لو بدا قرار الصحف بمقاطعة أخبار مجلس النوّاب نخبويّاً، لن يهمّ رجل الشارع، إلاّ أنّ هذا الرجل نفسه تعاطف مع الكاتب خالد محادين في القضية التي كسبها أمام مجلس النواب بسبب مقال نشره على موقع «خبرني» الإلكتروني انتقد فيه أداء بعض أعضاء المجلس. ويبقى السؤال: هل نحن فعلاً أمام فوضى سياسية تحكمها الروح الانتقاميّة، وتكون الصحافة رأس الحربة في تلك المعركة وأولى ضحاياها؟