بيار أبي صعبكانت دبابات بينوشيه تملأ شوارع سانتياغو، وجثّة إليندي، الرئيس التشيلي المنتخب ديموقراطيّاً، لا تزال مرميّة في قصر «لامونيدا»، حين اجتمعت حفنة من الاقتصاديين التشيليين المتأثرين برسول الليبراليّة المطلقة ميلتون فريدمان، الليل بأثره، لصياغة برنامج اقتصادي للديكتاتور الانقلابي الذي جاءت به الـCIA إلى السلطة... وبعدها بثلاثين سنة، ها هو الحاكم الأميركي لبغداد بول بريمر، فيما المدينة تحت الحديد والنار، يطلق عبارته الشهيرة «العراق بات مفتوحاً للبزنس». «الحرب على الإرهاب» التي شنّها الأبناء الروحيون لـ«صبية شيكاغو» أنفسهم، «لُزّمت» في النهاية إلى شركتي «هيلبورتن» و«بلاكووتر»! هكذا، تحت شعار «إعادة الإعمار»، زرعت لبنات نظام «ديموقراطي» نموذجي في المنطقة، هو حقل تجارب للرأسماليّة المتوحّشة.
كانت الكاتبة الكنديّة والصحافيّة الاستقصائيّة نعومي كلاين تغطي غزو العراق، حين خطرت لها تلك المقارنة، وتبلورت نواة كتابها «عقيدة الصدمة ـــــ صعود رأسماليّة الكوارث» (2007) الذي بات بين الأكثر مبيعاً في العالم، وتحتفل المكتبة العربيّة بوصوله إليها بعد 25 لغة أخرى (نادين خوري، فؤاد زعيتر، «شركة المطبوعات»، بيروت). إن ما نظنّه ارتقاء البشريّة إلى حريتها ورخائها بفضل اقتصاد السوق، تقول لنا صاحبة No Logo، هو وليد تقنيات القهر والصدم واستغلال الكوارث وتنظيم الانهيارات، تمهيداً لتكييف العقول وإخضاع الجماعات والشعوب. بعد الكارثة يأتي بزنس «الإعمار» ليرسّخ التبعيّة للنظام الكوني المهيمن. كلاين تقدم كتابها في القدس الشرقيّة هذا المساء، وفي رام الله غداً، بدعوة من «اللجنة الوطنيّة لمقاطعة إسرائيل» (pngo.net).