strong>محمد خيرانتقاد فيلم عنف لأنّه يقدم عنفاً، أشبه بانتقاد مطعم فلافل لأنه يبيع فلافل. ومعظم الانتقادات التي طالت شريط مروان حامد «إبراهيم الأبيض»، بالغت في تصوير دور المشاهد العنيفة في السياق الدرامي للعمل، كأنّها تبحث عن تبرير خطابها (شبه) الجاهز. الفيلم الذي عاد به حامد بعد باكورته «عمارة يعقوبيان»، تعرّض لأكبر قدر من سوء الفهم، وصنّف ضمن أفلام العشوائيات. لكنه ليس عملاً عن العشوائيات وإن دار في دروبها الضيقة، وليس فيلماً عن العنف وإن حفلت لقطاته بالدماء. إنّها قصة تنتمي إلى عالم الأسطورة الشعبية، عن «الوعد» الذي يلاحق صاحبه، والمصائر التي تتباعد ثم تلتقي لتحقق المحتوم. هذا هو لبّ الحكاية/ الحدّوتة، وما العشوائيات والعنف والدماء إلا العناصر الخارجيّة للحبكة، والإطار الدرامي للعمل.
إبراهيم الأبيض (أحمد السّقّا) كان طفلاً عندما اعتدى على جاره المتخلّف عقلياً. أراد أهل الطفل المضروب، تحديداً أمه (سوسن بدر) تأديب عائلة السقا فقتلوا أباه، ثم أسكتوا العائلة المفجوعة عبر تبنّي الطفل كعامل لدى القتلة. أحبّ الطفل حورية التي تكبر فتصير هند صبري، وهي ابنة قاتل أبيه، فعاقبه أبوها بالضرب. عندها سحب الطفل المضروب سكيناً وقتل والد حبيبته. ثم يهرب لسنوات يصبح فيها ذلك البلطجي الذي يخشاه الجميع، إلى أن يلتقي بحورية مجدداً، ويعيشان قصّة حبّ، لكنّها ترفضه عندما تكتشف أنّه قاتل أبيها. وتأبى حتى أن ينقذها من المعلم زرزور (محمود عبد العزيز) وهو ملك الحيّ العشوائي وزعيم عصاباته. زرزور يحبّ حوريّة وترفضه، فيعاقبها بمنع أي كان من الزواج منها، في وقت يضمّ فيه إلى عصابته اثنين من أشد خصومه: إبراهيم الأبيض نفسه، وصديقه الأقرب عشري (عمرو واكد).
السرد التصاعدي السابق لم يكن كذلك في الفيلم، إنما استُخدم الفلاش باك بمهارة قطّرت لنا المعرفة. ولا شك بأنّ المستوى البصري كان مميزاً، حتى يصعب تصديق أنّ الحي العشوائي الذي رأيناه هو مجرد ديكور صمّمه أنسي أبو سيف، وكان مشهد احتراق السقا الأفضل في السينما المصرية. فيما تفوّق تصوير سامح سليم، ومونتاج خالد مرعي، وخدمت كل ذلك موسيقى هشام نزيه الموحية.
أما التمثيل فلم يكن على مستوى الصورة، وإن تميّز محمود عبد العزيز وعمرو واكد الذي أمسك بالشخصية من الداخل والخارج، ولم يكتف بتأدية دور البلطجي الشرس. بل برع في إيصال مشاعر الندم التي اجتاحت شخصيته بعدما خان صديقه، فكان تقريباً بأدائه بطل الثلث الأخير من الفيلم. أما المؤلف عباس أبو الحسن، فتميّز في الحوار أكثر من السيناريو. إذ إن تعقيد القصة صنع بعض فجوات في الأحداث، فيما حفلت حوارات الأبطال بعبارات توافقت والبعد الملحمي للحكاية.