حسين بن حمزةفي مجموعة «على شفتي قبلة لن أحصل عليها» (منشورات الغاوون) للشاعر السوري نجيب جورج عوض، وهي الثانية له بعد «طقوس حافية» (2003)، لا تبتعد القصيدة عن صاحبها. إنها ملتصقة به تقريباً، تعيش في جواره القريب، وتختلط بحياته وأفكاره واستيهاماته. إنها شيء شخصي. ثمة شعرٌ كثير يمكن أن تُطلق عليه صفة «الشخصي»، لكن المقصود هنا يتجاوز هذا التوصيف البديهي ويجعل الشخصي أسلوباً أو جزءاً من نبرة الكتابة. لا يُطلب من الشاعر أن يتجاهل ذاته أو أن يكتب شعراً حيادياً، إلا أن ما نقرأه في نصوص عوض يُحسّسنا بجرعة شخصية واضحة تطغى على المعنى وتطفو على سطوح المفردات والجمل والاستعارات. الشعر يحمل تأملات الشاعر وتصوراته المباشرة عن حياته، ما يحدث فيها وما يُتمنى أن يحدث. الحب حاضر بقوة وكثافة. ثمة امرأة في أغلب القصائد. يتمرَّغ الشاعر في حضورها أحياناً، وفي غيابها أحياناً. الاستسلام للحب، وهو موضوع أفرط الشعراء في كتابته، يورِّط الشعر في التطابق مع طريقة حدوثه. يأخذ التخييل إجازة قصيرة، ويتحول الشعر إلى مساحة للبوح. خطر البوح أنه أقل تطلباً من الشعر. هذا يعني أن نجد صوراً شعرية مشغولة بخيالٍ منتبه: «متشظياً كقطع زجاج/ هويتُ من أعلى طابقٍ في بناية أحلامي/ على رؤوس الناس» ثم نجد صوراً عادية طالعة من رومنطيقية تقليدية: «تذكريني/ ككلمات أغنية/ تبكي على أوتار غيتارٍ قديم». قد يتجاور النوعان في مقطع واحد، فنجد تصريحاً معقولاً: «لم أعش الحياة/ بل عاشرتها بالكتابة» قبل أن ينفسد بفعل الاسترسال والشرح الزائد، ويصبح تقريراً إخبارياً: «ليتني اخترتُ الحياة/ وضيَّعتُ أسباب الكتابة/ لا لسهولة الحياة/ بل لأنه لا سبب حقيقاً للكتابة».
يواصل «الشيء الشخصي» حضوره في المجموعة. الشاعر، وهو المختص بدراسة اللاهوت، يترك آثاراً تدلُّ عليه: «البارحة كنتُ أُثبتُ وجودك يا الله/ من كثرة تبجّحي/ نزلتُ وفضحتُ غيابك» ويطيب له أن يظهر «كشيطان أخرس» و«كملاكٍ ساقط». وفي السياق نفسه، تحضر بيروت كمدينة يعيش فيها الشاعر الغريب غربته الشخصية، وتفوح منها ماغوطية واضحة: «لا الجازُ المتصاعد مع أنفاسكِ/ لا التهيؤات اللذيذة حين يلفُّ الغنجُ حول جسدك المبلول بالبحر المنشفةَ/ ولا فيلُ عجزنا/ الذي نزعم كل مرة أننا هزمناه/ وأدخلناه من خرم الإبرة/ لن تمنع تبدلاتكِ المفاجئة/ من النباح في وجوهنا ككلبٍ جائع».
الملاحظات الآنفة، رغم وجاهتها، لا تمنع القارئ من التواطؤ مع الشاعر. لعل الصدق، صدق التجربة والسعي لتأريخها، هو سبب هذا التواطؤ، وقد تنجح صورة واحدة في تحقيق ذلك. لنقرأ: «ما باليد حيلة يا حلوتي/ مهما قبَّلتني سأظل وحشاً».
حسين...