توتّر بين «المنار» و«العربيّة»... والإعلام الغربي لا يفهم «لغة الآخر»ليال حداد
للمرة الأولى منذ انتهاء عدوان غزة، يجتمع قسم كبير من ممثّلي وسائل الإعلام العربية لإجراء عمليّة تقويم لأدائهم في الحرب، بدعوة من قناة «المنار» و«اتحاد إذاعات الدول العربية». لعلّ حضور هذا العدد من الصحافيين من مختلف الأطياف السياسية وبدعوة من «المنار» تحديداً كفيل وحده بتحويل منتدى «المعايير المهنية في تغطية الفضائيات العربية للأحداث الإخبارية، تغطية الحرب على غزة مثالاً»، إلى حدث إعلامي بحد ذاته.
«المنار» و«الجزيرة» و«العربية» و«BBC العربية» و«التلفزيون السعودي» ووكالة «رامتان» و«التلفزيون السوري»... الكلّ كان حاضراً أمس في فندق «السفير» (الروشة ـــــ بيروت). هكذا، قدّم كل طرف وجهة نظره مبرّراً في بعض الأحيان هفواته وأخطاءه أثناء العدوان. ما هي الموضوعية؟ من يقرّر المصطلحات الصحيحة إعلاميّاً؟ هل تجيز المعايير الأخلاقية نقل صور الدمار والموت؟ هل يمكن اتّهام مراسلين عرب بالتواطؤ وتقديم إحداثيات لإسرائيل من أرض الحدث؟ هل يمكن التحدّث عن حيادية إعلامية في عزّ الحرب؟ كثيرة هي الأسئلة التي تطرّق إليها الحاضرون. ولعلّها المرّة الأولى التي يسود فيها شبه إجماع على رفض استعمال كلمة «حيادية» في العمل الصحافي: «الحياد هو وسيلة للهروب من اتّخاذ موقف أخلاقي، وهذا تحديداً موقف لا أخلاقي» قال الأستاذ المحاضر في الجامعة الأميركية في بيروت نبيل دجاني. لكنّ ذلك لم يمنع بعضهم من الاختباء وراء مصطلحي «موضوعية» و«مهنية» لتبرير «حياديتهم» وبرودتهم في نقل ذلك العدوان. هكذا، برّر رئيس تحرير الأخبار في «العربية» نبيل الخطيب إسقاط صفة العدو عن إسرائيل واستعمال مصطلح «قتيل» بدلاً من «شهيد»، بأن قواعد الموضوعية تفرض ذلك «فالخبر يتغيّر كل 15 ثانية». طبعاً لم يعجب الجواب نظيره في «المنار»، محمد عفيف، فقاطعه مذكّراً «بأنّ الخبر يتغيّر كل 15 ثانية لكن العدو يبقى عدواً لمئة عام، والشهيد يبقى شهيداً ولا يصبح قتيلاً ولو بعد مئة عام».
وباستنثاء هذا التعليق الانفعالي، حاول المشاركون الابتعاد عن النقاش التقليدي الذي تلا العدوان الإسرائيلي، وقسّم الوسائل الإعلامية إلى «مقاوِمة» و«عميلة». وفضّل بعضهم اعتماد عبارات وزير الإعلام اللبناني طارق متري الذي طالب الإعلام بأن يكون «بارداً ـــــ حاراًَ وموضوعياً ـــــ ملتزماً، لما في ذلك من مصلحة للشعب الفلسطيني». لكن هل يمكن تطبيق البرودة ــــ الحارة في تغطية أحداث كعداون غزة، أو عدوان تموز أو احتلال العراق؟ الجواب أتى خلال جلسة شارك فيها مدير مكتب «الجزيرة» في بيروت غسّان بن جدّو. إذ قال بانفعال: «الانحيار الكامل والحار هو أولاً مع الشعب الفلسطيني المعتدى عليه، ومع أهالي الجنوب في تموز 2006، ومع كل شعب عربي ضحية». وسرعان ما ذكّر بمجزرة قانا الثانية حين طَلبَ من فريق عمل الفضائية القطرية بثّ المشاهد حيةّ وكما هي من دون مونتاج. وما زلنا نذكر حتى اليوم مشهد مراسل المحطة عباس ناصر وهو يبكي أمام هول المجزرة؟
الإشكاليّة التي وقعت فيها الفضائيات العربية مع اندلاع العدوان، بدت غريبةً عن العالم الإعلامي الغربي. هنا، كانّ كل شيء أشبه باليقين: المراسلون الأجانب ممنوعون من دخول القطاع، والمعلومات «الصحيحة» تصل من الجهاز الإعلامي لقوّات الاحتلال. هكذا، استعاد الصحافي الفرنسي ريشار لا بيفيير تجربة الإعلام الغربي خلال الحرب، مفنّداً الأسباب التي دفعت أبرز هذه الوسائل إلى الانحياز التام لإسرائيل: انخفاض عدد المراسلين، وتدهور ثقافتهم لدوافع اقتصادية وبسبب السياسات المتّبعة في وسائل الإعلام، كما أنّ «الإعلام الغربي تحوّل إلى إعلام بلا ذاكرة». ويبقى السبب الأهم ـــــ بحسب الصحافي الشهير ـــــ هو «اللوبيات الإسرائيلية في مجال الإعلام... واسألوني، فأنا خبير في هذا الموضوع» قال لابيفيير في إشارة إلى إقالته من منصبه في إدارة «راديو فرانس انترناسيونال» بعد إجرائه مقابلة مع الرئيس السوري بشار الأسد. وسط المشاكل التي تواجه الإعلام الغربي في تغطيته بقعة مضطربة كالشرق الأوسط، دعا لا بيفيير إلى توقيع اتفاقيات شراكة بين الوسائل العربية والغربية، و«امتلاك لغة الآخر بهدف فهمه».


«رامتان» نجمة العدوان

للمرة الأولى يستضيف منتدى إعلامي لبناني، ممثّلاً عن وكالة «رامتان» الفلسطينية، التي كانت «نجمة» العدوان الإعلامية. تحدّث المدير العام للوكالة قاسم عزت، مؤكداً أنّ «رامتان» ليست وكالة أنباء «هذه الكلمة كبيرة عليها، وخصوصاً أنّ من يعرف إمكاناتنا التقنية والمادية، لن يصدّق أننا قدّمنا ما قدّمناه خلال العدوان». واستعاد عزّت تفاصيل العمل تحت الصواريخ، وفي غياب الإعلام الأجنبي «الذي يُعدّ ضمانة لأمن الصحافي الفلسطيني وحياته، فقوات الاحتلال لن تستهدف الصحافيين إن كان بينهم أجانب». ولم تخلُ تغطية «رامتان» من المخاطر. إذ هدّدت إسرائيل الوكالة مباشرة على هواء الـBCC بعدما ادّعى الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أنّ الصحافيين فيها يُؤون مقاومين من حركة «حماس».


الصورة خير دليل