تستعد الكروازيت لاستقبال زائر من نوع خاص، هو السينمائي الكبير فرانسيس فورد كوبولا الذي يعد أحد خمسة سينمائيين فقط نالوا «السعفة الذهبية» مرتين. كوبولا نال «السعفة» لأوّل مرة عام 1974، عن «محادثة سرية»، ثم عاد وخطفها ثانية في 1979، برائعته Apocalypse Now. وبعد مرور 30 سنة، ها هو يعود هذه السنة بـ«ملحمة بيوغرافية» تحمل عنوان Tetro، ستُعرض خارج المسابقة، في افتتاح تظاهرة «أسبوعي المخرجين». كوبولا قد انقطع عن السينما 10 سنوات ولم يقدّم جديداً منذ «صانع المطر» (1997). واعتقد كثيرون أنّ الشعلة التي كانت تحرّك صاحب «العرّاب» انطفأت وأنه قرّر اعتزال الإخراج السينمائي نهائياً، ليتفرغ لمهنته الأخرى.. صناعة النبيذ! أسهم في تكريس ذلك الانطباع بأنّ كوبولا صرّح بعد انتهائه عام 1990 من إخراج الجزء الثالث من سلسلة «العرّاب»، بأنه قرّر اعتزال السينما في السنة ذاتها التي يموت فيها بطله، مايكل كورليوني، في «العرّاب» أي سنة 1997!
لكن للقصة وجهاً آخر لا صلة له بالاعتزال الفني الطوعي. كوبولا، الذي كان يلُقّب في هوليوود السبعينيات بـ«نابليون السينما» يشتهر بمزاج ناري وطموح فني بلا حدود وأنا منتفخة تقارب جنون العظمة، ما جعله ـــــ على غرار بونابرت ـــــ يتقلب دوماً بين الانتصارات العظيمة والسقطات المدوّية. حتى إنّ بعض النقاد بدأوا يتساءلون مطلع الثمانينيات، بعد الفشل المريع الذي مُني به آخر أفلامه الكبيرة «ضربة قلب» (1982): هل يجدر تشبيه كوبولا بنابليون أم بـ«نيرون السينما»؟
لكن كوبولا أحدث المفاجأة عام 2007، إذ حقّق فيلماً ناجحاً بعنوان «رجل بلا عمر» صوّره في سرّية تامة، وموّله من عائدات النبيذ الذي يحمل اسمه. وما إن نجح ذلك الفيلم، حتى عاد «جنون العظمة» ليراود كوبولا. هكذا، أعلن أنّه سيصوّر فيلماً ملحمياً ضخماً ذا بعد بيوغرافي، يختتم به مساره السينمائي، ويروي المسار الفني لعائلته على مدى ثلاثة أجيال. إذ من المعروف أنّ والده، كارمين كوبولا، كان عازف ناي شهيراً في الأوركسترا السيمفونية في نيويورك، وشقيقته، تاليا شير، كانت ممثلة بارزة في السبعينيات وابنها هو النجم المعروف نيكولاس كيدج. أمّا ابنا كوبولا صوفيا ورومان، فقد أصبحا اليوم مخرجين بارزين. إذ قدّمت صوفيا ثلاثة أفلام مميزة، هي Virgin suicides وLost in translation و«ماري أنطوانيت». بينما قدّم رومان باكورة واعدة بعنوان CQ.
والسؤال الذي يؤرق محبي كوبولا، عشية عرض عمله الجديد في «كان»، هو الآتي: هل يحقق صاحب «صانع المطر» هنا رائعة يختتم بها مساره الفني الخصب؟ أم هل يزج بنفسه مرة أخرى في سقطة مدوّية تثبت صحة «اللعنة النيرونية» التي تطارده منذ بداياته؟