من منّا لم يقع، وهو يقلّب الأقنية، على واحدة من عظاتها الـ zen، في شؤون الدنيا والغيب؟ زميلنا نجوان درويش رصد برنامج «تأمّل ساعة» محاولاً تفكيك هذه الظاهرة
نجوان درويش
الذين يشاهدون برنامج مريم نور «الروحاني» على فضائية «الجديد»، سيلتبس عليهم الأمر، وهم يستمعون لرسائل عتبها الشخصية وهواجسها التي تبثها منذ سنوات ــــ بكلفة مرفوعة ــــ لإخوانها وأصحابها: رؤساء دول عربية وأصحاب سلطة ومال، تخاطبهم بأسمائهم الأولى. منذ سنوات، وهي توجّه رسائل لـ«خيّها» إميل لحود و«خيّها» بشار و«خيّها»... العقيد القذافي.
ومريم لا تنسى كلينتون. مرةً، شاهدناها تقرأ من إحدى رسائله إليها (خلال ولايته في البيت الأبيض) وتذكر حادثة معه ـــــ باقتضاب مُلْغِز ــــ بطريقة توحي بالعلاقة الوثيقة بين «مريم» و«بيل». ولا تكاد تمرّ حلقة من دون أن تذكر بندر بن سلطان وتدعو لزوجته. وهو في حديثها يبدو صوفياً أكثر من ناسك الشخروب وليس رجل التحالفات الأمنية والاقتصادية بين المشروع الأميركي وآل سعود! بل لا نفهم بالضبط العلاقة بين صاحبة البرنامج والأمير وأسرته. هل يجيز لها عملها سنوات في مطبخ بيته (كما تقول) أن تجعل الرجل وزوجته منهاجاً مُقرّراً على مشاهديها. ثم ما مدى صدقية «قديسة التغذية» وهي كما تقول سيرتها طبّاخة سابقة في مطبخ «البيت الأبيض» الأميركي ولاحقاً لدى السفير السعودي في واشنطن... وقلبها مع أصحاب القصور أينما حلّوا.
تبدو مريم نور غير مهتمة بالناس العاديين، ولا مساحة لهم في مونولوجاتها غير المترابطة التي تكرّرها في برنامجها. في الحلقة الأخيرة من «تأمّل ساعة» التي عُرضت صباح الأحد، وصفت العمارة التي تسكنها بالوساخة، وجيرانها بالكذب: «الوحيدة اللي بتدفع إيجار وصادقة هي مريم نور» قالت بالحرف الواحد. كما وزّعت بركاتها على أمراء حرب وإقطاع سياسي. «الأمل فيك وبابنك يا وليد بيك» قالت لوليد جنبلاط. و«وبّخت» سعد الحريري توبيخاً رقيقاً، بشأن أمر غامض يتعلق بفضائية جديدة يملكها: «ولو يا سعد، بَمون عليك إنتَ في قلبي كل يوم» قالت له.
أما سمير جعجع فقارنت بين سجنه وسجن نيلسون مانديلا وذكرت أو زعمت ــــ دائماً بطريقتها الغامضة ــــ رسالةً كتبها مانديلا لجعجع في سجنه! أيّ دجّال يمكن أن يقارن أشهر سجين حرية في القرن العشرين بأحد أمراء الحرب المدان بجرائم يندى لها الجبين؟ ولا تنسى مريم أن تبارك له رقم سنوات سجنه (11 سنة البركة)، وقد استخلصت من هذا الرقم شيئاً غامضاً... لكنّها ضنّت بسرّه على المشاهدين.
كل ذلك ولم نصل بعد إلى فقر المادة المعرفيّة، في مجالات يُفترض أنّها متخصصة فيها، كعلوم التغذية والطاقة. معظم ما تقدّمه في برنامجها لا يخرج عن الهذر والهجاء والردح، والافتتان بالسجع والجناس، والاقتباسات الخاطئة، والتفسيرات السطحية، وبؤس النهج «التبشيري». أما زبدة برنامجها، أو غايته كما يبدو، فهو مماحكاتها الودية لـ«أهل» السياسة والمال،أو السلاطين إذا أخذنا بالتسمية التراثية. مريم نور تحوّل برنامجها الروحاني إلى مساحة علاقات عامة مع سلاطين السياسة والمال وأحياناً الإعلام. وتتصاعد وتيرة الهوس بالمسؤولين واختلاق دالة عليهم، مع زيادة جرعات الاحتقار التي تكيلها للمجتمعات العربية عموماً. وبلا براعة، تُمثّل مريم نور في برنامجها دور «سليطة اللسان في الحق»؛ بينما هي مشغولة فعلاً ببثّ رسائلها وادعاءاتها وبرقياتها الطلسميّة، لأسياد هذا الزمن وأهل الجاه والسلطان!