تطرّقت ورقة الشاعر والباحث العراقي شاكر لعيبي «الأوهام الإيديولوجية والتخليط بشأن رحلة ابن فضلان» إلى ما يدعوه لعيبي «ثقافة الإشاعة والنصب المنتشرة في المشرق العربي». ورصد ما كتبه بعض العرب في السنوات الأخيرة عن «رحلة ابن فضلان» بناءً على رواية خيالية نشرها الأميركي مايكل كرايتون عام 1976 وترجمت ونشرت في سوريا عام 1991 باعتبارها نصاً لرحلة ابن فضلان! وما تبع ذلك من تخليطات ومبالغات وشائعات، كأنما أراد لعيبي عبرها الإجابة عن تساؤله في مستهل ورقته: «هل ثمة مجازفة وإفراط في القول إن ثقافتنا العربية، في اللحظة الراهنة، قليلة التدقيق والملاحظة، وبعضها قائم على الإشاعة إن لم نقل على الأكذوبة؟».رحلة ابن فضلان (حققها لعيبي، «دار السويدي»، مشروع ارتياد الآفاق 2003)، كانت في جزء منها أيضاً موضوعاً لورقة خديجة صفوت «قراءة في رحلة ابن فضلان والخزر: أعراب الشتات/ ازدهار وخراب المدن من يثرب إلى اشبيلية». تلك الورقة حاولت إضاءة منطقة تقع ضمن المسكوت عنه في تاريخ قبائل «الخزر» (قبائل تركية بحسب الورقة استوطنت في مراحلها المتأخرة شرق أوروبا). حيث ترصد صفوت بداية تكوّن «صهيونية مسيحية» لدى الخزر الذين «تحولوا إلى اليهودية في عهد هارون الرشيد». تذكر الباحثة «ولعل خزاريا كانت سفر تكوين أرض الميعاد أو/و إسرائيل».
ويسوقنا بحث صفوت ـــــ العميق لكن الجديد والمربِك ـــــ إلى نتيجة أنّ الخزر هم «اليهود الاشكناز»، الغربيون الذين استولوا على فلسطين بواسطة الأيديولوجيا الصهيونية، وأن التكتّم على تاريخ الخزر يأتي في صلب تمويه أصولهم البعيدة عن المنطقة العربية.
الشاعر نوري الجرّاح، المشرف على جوائز ابن بطوطة و«المركز العربي للأدب الجغرافي»، وصف أدب الرحلة بـ«حقل أهمل زمناً طويلاً»، مضيفاً أنّ «ندوة الرحلة العربية في ألف عام» «تحاول أن تضع يدها على عصب أساسي في الثقافة العربية، وهو علاقتها بالعالم»، عبر «استئناف البحث والنقاش حول أدب الرحلة داخل الثقافة العربية». ويضيف الجراح، الذي يرى الرحلة العربية «نصاً للقلق»: «أردنا من خلال الندوة رصد التصورات المستقبلية لأشكال البحث واتجاهاته... بما يساعد على تطوير نقاش متقدم حول أدب الرحلة داخل الثقافة العربية، وفي العلاقة بينها وبين الثقافات الأخرى، وهو ما يقع في صلب عمل «المركز العربي للأدب الجغرافي ـــــ ارتياد الآفاق» الذي أخذ على عاتقه بناء جسر بين المشرق والمغرب وبين العرب والعالم».