بيار أبي صعبمهما بحثت، وأنت تحاول تقديم هذا المؤرّخ وعالم الاجتماع اللبناني، فستجد نفسك مهدّداً بالانزلاق إلى فخ الكليشيه. لكن المفردات، لدى التماس بمسيرته، تستعيد حيويّتها الأولى. الشاعر المنشغل باللغة، والباحث الأكاديمي المنكبّ على تاريخ لبنان، المثقّف اليساري (ذات مرّة) بكلّ ما أسبغت أوهام الستينيّات والسبعينيات على هذا الانتماء (الاتيكيت؟) من رهجة، ما زال يتعامل مع تاريخ لبنان ـــــ من «الصيغة» إلى «الطائف»، مروراً بـ«ما علمنا وذقنا» ـــــ بالنزعة النقديّة العقلانيّة نفسها، الموروثة من تقاليد «اليسار (العربي) الجديد». هذا ما يأتي ليذكّرنا به كتاب بتوقيعه، صدر بالفرنسيّة عن Actes Sud، بعنوان «انحطاط لبنان، أو الإصلاح اليتيم». المعلّم المسكون بهاجس تأسيس مفهوم جديد للدولة والمواطنة، يعود إلى مواضيعه الأثيرة، في سياق أربع محضرات ألقاها، الربيع الماضي، في الـ«كوليج دو فرانس». الاقتسام الطائفي للسلطة لا يمكن أن ينتج نظاماً ديموقراطيّاً، يذكّرنا بيضون، فهذا «التوافق» الاستبدادي هو الذي أجهز على المؤسسات، واعتقل «المواطن» في شرنقة الطائفيّة، مانعاً إيّاه من أي وجود سياسي، وكياني، خارجها. المؤرّخ الذي غاص عميقاً على جذور الصراعات والانقسامات الأهليّة، يواصل رصدها بشموليّة نظرته. يفكّك التركيبة اللبنانيّة وآلياتها، بحثاً عن آفاق ترسيخ «المجتمع المدني»، والإصلاح الديموقراطي. ورغم انغلاق البنى القائمة بوجه محاولات التغيير، فقد وجد كوّة الأمل في «اتفاق الطائف» الذي لم يذهب اللبنانيّون إلى نهايته: ألا ينصّ على تأليف لجنة وطنيّة لإلغاء الطائفيّة؟ قراءة أحمد بيضون من الصعب أن تتركك على الحياد.