نوال العلي يصعب أن نتخيّل اللغة الصوفيّة تجد لها مكاناً في الإنكليزية. لكنّ الشاعرة السورية هدى النعماني أجلست لغتها على مقعد الغرباء في Rim Of The Lock وأدخلت القارئ في لجّة عالمها الخاص، العالم المقيم بين الموت والحياة. هذه الأجواء لأذن لم تألفها ستسم الصور بالجدة، وغالباً ما تجعلها صادمة وتنطوي على شيء من الفخامة اللغوية إن جاز التعبير. عناوين مثل «برزخ» أو مشاهد مثل «مذ نشد فرسان الجنّة الصراط الأمثل/ هل خيّبت نذور الآلهة الإنسانية؟» تبدو كأنّها ملامح لوجه شرقي بصوت مستغرب. عدد كبير من قصائد الديوان تلجأ إلى حكايات هاجعة في مخيّلة الشاعرة التي تبدو بالنسبة إلى صاحبة «خاطبني قال: هُدى أنا الحق» عالماً حقاً. ورغم هذه العوالم البعيدة عن كل ما هو عادي ويومي، تضع الشاعرة قصائد تتحدث فيها عن الحرب وذكرياتها، عن خسارات شخصية، وهي تمسك أداة اللغة بإحكام فتخفف من نبرتها في مثل هذه القصائد لتظهر عباراتها أقرب إلى مضمونها كقصيدتها «مثل صقر بين الغيوم» مثالاً. وهي تتحدث عن مقتل رئيس الوزراء اللبناني رشيد كرامي سنة 1989. ومنها «بالنسبة لهم كان شخصية سياسية/ مجرد شخصية سياسية أخرى/ بالنسبة لي كان رجلاً بحاجة إلى العون./ عرفت أن بإمكاني سحب يدي/ وأنه سيسقط كزهرة./ حين كانت بيروت تحترق/ وهو يسمع صوتي/ انفجر بدموع الخسران./ إنه ميت الآن/ ولكني لا زلت أسمعه يبكي».
هدى النعماني صاحبة «أذكر كنت نقطة كنت دائرة» لا يمكن نعتها بالمبالغة في الذهاب بعيداً في صوفية شعرها. المرأة التي تناهز الثمانين الآن، هي ذلك الصوت الخافت الزاهد بالبهرجة الثقافية، ظلت تكتب شعرها في زاوية هادئة بعيدة عن الضوضاء. وإن لم يصل شعرها إلى مصاف النصوص الصوفية التي تستحضرها، إلا أن النعماني حريصة على استقصاء المعنى العربي للصورة، فتظهر أحياناً كأنها تكتب بالعربية لشدّة ما تحرص على التركيبة الشعرية العربية في قصيدة بالإنكليزية.
لننظر إلى قصيدة «الخندق» أو The ditch وفيها تتخيل الشاعرة قصة عن سوء الفهم بين الشرق والغرب «عالق في قفص ضائع/ مدينة ضائعة/ قارة ضائعة/ يقيّمونَه/ مئات الباحثين/ مئات الميكروسكوبات/ مئات المصابيح الزرقاء/ نصف عربي، نصف مسلم، نصف إرهابي!/ المجهر يقول./ الحكم بالموت./ نصف رجل آلي/ نصف عبد/ نصف حيوان/ تقول المصابيح الزرقاء/ الحكم بالموت./ نصف جرثومة/ نصف قاتل/ نصف وحش!/ يقول العالم. الحكم هو الموت. الكتب جناية!/ الصح والخطأ مزحة! /همهم الفأر لنفسه».