التمويل الأجنبي يشترط عدم دعم أيّ «عمل إرهابي»

30 في الضفة الغربية ومحطّة واحدة في غزة. منذ «اتفاقية أوسلو»، شهدت التلفزيونات المحلّية «طفرةً» حقيقيّة غابت عنها المهنية الإعلامية وخيّم عليها الانقسام السياسي الداخلي

مصطفى مصطفى
يبدو أنّ عناصر ضعف الإعلام الفلسطيني وانقساماته السياسية انعكست على التلفزيونات أيضاً. إذ نجد غياباً للمهنية الإعلامية في عمل هذه المحطات، في وقت لا وجود فيه لأي رقابة من جانب وزارة الإعلام الفلسطينية عليها. هكذا نجد مثلاً غياب الاحترام لحقوق النشر دليلاً على قصور هذه الشاشات مهنياً. وفيما يحتاج المشاهد العربي إلى دفع اشتراك لقناة «الجزيرة الرياضية» لمشاهدة مباراة كرة قدم، تنقل بعض التلفزيونات المحلية الفلسطينية هذه المباريات مباشرةً من قناة «الجزيرة» مجاناً للمشاهد الفلسطيني!
يتبيّن إذاً أن نقل برامج (مباشرة أو مسجلة) من فضائيات عربية، من دون إذن مسبق منها، هو المصدر الرئيسي لبرامج معظم هذه التلفزيونات. بهذه الطريقة، تتمكن من إعداد جدول برامجها الذي تنشره عادة في الصحف المحلية. وتقتصر إنتاجات هذه القنوات على برامج المسابقات وأخرى تتناول شؤوناً اجتماعية وسياسية محلية، غالباً ما تكون على شكل نقاشات أو حوارات ذي إخراج فني ضعيف. وقلة هي الشاشات التي لديها نشرة إخبارية خاصة بها مثل «تلفزيون وطن» في رام الله. إذ يكتفي معظمها بنقل نشرات الأخبار عن «الجزيرة» أو «العربية».
هذا النقل من الفضائيات (المشفرة وغير المشفرة) لا يتوقّف عند مباريات الدوري الإسباني ونشرات الأخبار، بل يمتدّ إلى الأفلام الوثائقيّة والفيديو كليب والمسلسلات وأفلام الكرتون، وأيضاً أحدث أفلام السينما. وبالاعتماد على هذه الفضائيات المشفرة مثل باقة ART وShowTime، تصبح وظيفة بعض المحطات المحلية أشبه بوظيفة «ريموت كونترول». إذ تتنقل بين برامج هذه الفضائيات وأخبارها وتنقل أفضلها، لكن مع قطع الفواصل الإعلانية التي تتخلل هذه البرامج لوضع إعلانات محلية! هذه التلفزيونات التي يقارب عددها حالياً ثلاثين في الضفة الغربية وتلفزيوناً واحداً في قطاع غزة، باشرت العمل بعد «اتفاقية أوسلو» وإنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1993. وكانت قناة «الرعاة» أول محطّة تبث من بيت لحم، قبل أن يبدأ تلفزيون «فلسطين» ببثّ برامجه. في تلك الفترة، «أنشأ شبان فلسطينيون متعلمون هذه المحطات لأنهم كانوا عاطلين عن العمل، فقرروا استغلال حاجة السوق إلى هذه التلفزيونات» يقول رائد عثمان المدير العام لشبكة «معا» الإخبارية. يُذكر أنّ مشاهدة الفلسطينيين الإعلام المرئي اقتصرت قبل ذلك على قنوات التلفزيون الإسرائيلي والتلفزيونين الأردني والسوري، وكانت كلّها تبث على الموجة الأرضية فقط.
وبموجب اتفاقية «أوسلو»، سيطرت قوات الاحتلال على موجات بث هذه التلفزيونات، وتولّت وزارة الإعلام مهمة منح رخص لها. إذ يُفرض عليها دفع مبلغ يراوح بين 3 و15 ألف دولار لاستئجار موجة التردد. وهو الأمر الذي أثار أخيراً موجة احتجاجات من التلفزيونات التي يعاني بعضها أصلاً صعوبات مالية. علماً بأنّ إيرادات الإعلانات التي تبثها لا تكفي لتغطية كامل نفقاتها. هكذا، يعتمد معظمها على التمويل من بعض المنظمات الغربية أو المحلية، مثل «تلفزيون القدس التربوي» الذي تدعمه «جامعة القدس» أو شبكة «معا» التي تنضوي تحتها تسع قنوات محلية ويدعمها الاتحاد الأوروبي من خلال مساهمات مالية هولندية ودنمركية.
هذا الدعم الأجنبي الذي بات لازمةً تكرر في كل مشروع يتعلق بـ«مؤسسات المجتمع المدني» في فلسطين، نراه أيضاً في مشاريع الإعلام البديل. إذ «يأتي مع سلة شروط أهمها الالتزام بعدم دعم القناة أو المحطة لأيّ «عمل إرهابي»» وفق رأي أحد الصحافيّين.
يُذكر أن عدداً من هذه المحطات تعرّض للقصف والتخريب على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، آخرها قصف مقر «تلفزيون الأقصى» خلال العدوان على غزة، وقبلها عام 2002 عند اجتياح الضفة الغربية. يومها، اقتحم جيش الاحتلال مقارّ بعض هذه القنوات ومنها تلفزيوني «أمواج» و«الشرق» في رام الله، ليبث برامج عبرية وأفلاماً إباحية قبل تخريب معداتها وإحراقها.


انخفاض المشاهدين

تشهد المحطّات المحلية الفلسطينية اليوم تراجعاً في نسبة مشاهديها لمصلحة فضائية «فلسطين» والفضائيات العربية الأخرى، وفق استطلاع للرأي أجراه أخيراً «مركز رام الله لدراسات حقوق الإنسان». كما أنّ هذه المحطات تأثّرت بالانقسام السياسي الداخلي. هكذا يحرص كل تلفزيون في برامجه الحوارية والسياسية وفي نشرات الأخبار، إن وجدت، على نشر خطاب الحزب الذي يحتويه، واستضافة ممثلي ذلك الحزب أو التيار السياسي. مثلاً، يمكنك مشاهدة أعضاء من «المبادرة الوطنية المستقلة» وبعض ممثلي اليسار على «تلفزيون وطن»، فيما يحتلّ ممثلو حركة «فتح» و«السلطة الفلسطينية» شاشة تلفزيون «فلسطين». ولا يختلف الوضع كثيراً في الجهة الأخرى. إذ يسيطر قياديّو حركة «حماس» وغيرها من فصائل المقاومة على الهواء في قناة «الأقصى».


قنوات «مناطقية»

على رغم محدودية نطاق مشاهدة بعض القنوات المحلية التي لا يتعدى أحياناً البلدة ومحيطها مثل «تلفزيون قلقيلية»، إلا أنّ هذه المحطات تزوّد سكان تلك المنطقة بأخبار محلية مفصّلة، تكتفي الفضائيات العربية بذكرها فقط