غبار المعركة الانتخابيّة يلفّ المؤسّسة العريقةليال حداد
قبل أكثر من عام، علت بعض الأصوات السياسية والإعلامية للمرة الأولى منتقدةً ما أسمته «التمييز في نقل الأخبار في الوكالة الوطنية للإعلام». كان ذلك بعدما جنّدت الوكالة كلّ طاقمها لتغطية مهرجان 14 شباط/ فبراير 2008، فيما توانت عن نقل أي خبر يتعلّق بتشييع الشهيد عماد مغنية. يومها، خرج وزير الإعلام غازي العريضي رافضاً أي تهمة بالانحياز، مؤكداً أنّ التأخير الذي حصل لا علاقة له بأي موقف سياسي.
على أبواب الانتخابات النيابية، عادت تهم الانحياز توجّه إلى الوكالة التي ترفد المؤسسات الإعلاميّة بالأخبار. ويمكن لمتصفّح موقع الوكالة أن يلاحظ التمييز في نقل أخبار المرشّحين. «لقد أصدرتُ تعميماً شفهياً إلى الموظّفين بألا تتعدّى أخبار كل مرشّح خمسة أسطر وذلك للتساوي بينهم» تقول مديرة الوكالة لور سليمان لـ«الأخبار». طبعاً تتحدّث سليمان عن بعض الاستثناءات: «لا يمكنني أن أخصّص للسيد حسن نصر الله أو وليد جنبلاط خمسة أسطر فقط. إنّها مساحة صغيرة بالنسبة إلى شخصيّات لها حيثياتها الشعبية والسياسية». غير أنّ استثناءات أخرى تبرز خلال تغطية الأخبار الانتخابية، فتعارض تماماً التعميم الذي أصدرته سليمان. مثلاً مقارنة بسيطة بين خبر إعلان نائب رئيس الحكومة عصام أبو جمرا برنامجه الانتخابي في الأشرفية (3 أسطر) ولقاء عقده مرشحو الأشرفية عن 14 آذار في منزل أحد المخاتير (صفحة كاملة) قد تثير علامات استفهام عدّة. الأمر نفسه ينطبق على التغطية الكاملة لتحرّكات ممثلي الأكثريّة الحاليّة في دول الاغتراب، فقد أثارت استياءً واسعاً، وخصوصاً أنّ المهرجانات المماثلة للفريق الآخر لم تلق حداً أدنى من الاهتمام.
ويشير مصدر مقرّب من الوكالة إلى أنّ هذا التمييز بين المرشّحين ليس سوى غيض من فيض. إذ إنّ إدارة الوكالة تمثّل طرفاً سياسياً هو 14 آذار، «وما التعيينات الأخيرة في القسمين الإنكليزي والفرنسي المستحدَثَين سوى دليل على ذلك». وكانت الوكالة قد أطلقت قبل أكثر من شهر حلّتها الجديدة، وأضافت خدمات جديدة إلى موقعها، بينها الأخبار المحلية والإقليمية باللغتين الإنكليزية والفرنسية... إضافة إلى تغطية بعض الأحداث بالصور.
وفي المقابل يرى مصدر من داخل الوكالة أن موضوع الانحياز نسبي يرتبط بمسؤول «الفترة». إذ إنّ كل شخص يعطي الأولوية للأخبار التي تعني الفريق السياسي الذي ينتمي إليه أو يناصره. ويعود المصدر إلى البلبلة التي رافقت تعيين لور سليمان في ايلول/ سبتمبر 2008. يومذاك وقع خلاف على تعيين رئيس تحرير جديد للوكالة، وكان اسم سليمان هو المطروح بجديّة. غير أنّ المنصب ـــــ بحكم المحاصصة الطائفية في المؤسسات الرسمية ـــــ هو دوماً من نصيب صحافي سنّي (!)، وقد تدّخلت مراجع طائفية سنية للحفاظ على هذا المركز. ما دفع أصحاب الشأن في وزارة الإعلام التي تتبع لها الوكالة إلى الرضوخ للأمر الواقع: عيّن علي اللحام رئيساً للتحرير، واختيرت سليمان مديرةً للوكالة. أما المدير السابق أندريه قصاف فاستُحدث له منصب جديد هو «تنسيق الأخبار بين الوكالة الوطنية للإعلام والإذاعة اللبنانية وتلفزيون لبنان»! وخرج وزير الإعلام طارق متري وقتها ليقول إنّه «يتحتم علينا أحياناً مراعاة ظروف معينة، لكنّ المعيار الأول يبقى كفاءة المسؤولين لا الانتماء الطائفي».
وإن كان موضوع الاصطفافات السياسية داخل الوكالة قد أثّر على طريقة التعاطي مع أخبار المرشّحين، فإنّ التعميم الرقم 5 /2009 الصادر أخيراً عن لور سليمان، فتح الباب أمام الاجتهاد وتحميله رسائل سياسية معيّنة. وينصّ التعميم على «وجوب المتعاقدين مع الوكالة عدم كتابة مقالات ونشرها في الصحف والمجلات بتوقيعهم، وعدم المشاركة في المقابلات أو الإدلاء بتصاريح سياسية تحت طائلة المسؤولية». ورأى بعض المعنيين أن التعميم يمتلك أهدافاً محدّدة هي منع بعضهم من الإدلاء برأيه السياسي (المعارض) في وسائل الإعلام التي يعملون فيها. ويشيرون إلى أنّ الضغط كان على الصحافيين المعارضين من دون أن يتعرّض موظّفو الوكالة المناصرين لـ14 آذار لأي مساءلة. غير أنّ سليمان تؤكّد أن القرار يأتي تطبيقاً للمادة 112 من القانون، ويهدف أولاً وأخيراً إلى حماية الصحافيين. وهو إجراء طبيعي تتخذه الوكالة قبل كل انتخابات: «التعميم ليس موجّهاً ضدّ أي شخص أو أي طرف سياسي، فالجميع ملزم بتنفيذه».


تاريخ الوكالة

تأسست الوكالة الوطنية للإعلام في 7 آب/ أغسطس 1961 في عهد وزير الإعلام عبد الله المشنوق بناءً على المرسوم الرقم 7276 الذي ينصّ على تنظيم وزارة الإعلام. وكان اسمها في ذلك الوقت «مديرية وكالة الأنباء الوطنية». وكان أوّل رئيس للوكالة هو باسم الجسر. وتوالى منذ ذلك الوقت تسعة مدراء هم إضافة إلى الجسر، رضوان المولوي وزهير السعداوي ومحمد المشنوق ويعقوب خليفة ورفيق شلالا وخليل الخوري وأندريه قصاص وأخيراً لور سليمان. للوكالة 24 مكتباً في مختلف المناطق اللبنانية، كما أنّ الموظّفين فيها (حوالى 350) يعملون بشكل متواصل بما في ذلك أيام نهاية الأسبوع والعطل الرسمية التي تحدّدها نقابة الصحافة.


يا زمان الطائفية