عبد الحكيم عامر ومحمد نجيب وحسن البنّا، ثلاثة وجوه ظلّت الرقابة «تطاردهم» وتمنع الأعمال التي تتناول حياتهم. لكن الوضع تغيّر حالياً مع بروز محاولات لتقديم مسلسلات وأفلام تسلّط الضوء على هذه الشخصيات الأكثر إثارةً للجدل
محمد عبد الرحمن
يمكن لمتابع كواليس إنتاج «الملك فاروق» التأكيد أنّ المسلسل لم يكن ليخرج إلى النور لولا الدعم السعودي القوي الذي وفّر رأس المال اللازم لتقديم العمل بمستوى ممتاز. إذ إنّ تعاطف المؤلفة لميس جابر مع آخر ملوك مصر التقى مع رغبة قناة mbc بتقديم مسلسل يرفع مكانة المَلَكية أمام الشعوب العربية، فيما تراجعت جهات الإنتاج المصرية عن تقديم العمل ولو بنظرة محايدة تُعطي لملك مصر والسودان ما سلب من حقوقه وتوضح مساوئه في آن.
خرج المسلسل إلى النور معتمداً على إبداع فني عال في الإخراج والتمثيل وباقي العناصر الفنية. لكن ما حدث مع «الملك فاروق» قد لا يتكرر كثيراً مع شخصيات أخرى تعاني المنع منذ سنوات طويلة. ولولا ظروف معيّنة حدثت في الآونة الأخيرة، لما فكّر أحد في دخول مغامرة تقديم هذه الشخصيّات على الشاشة بعد سنوات طويلة من غيابها على المستويات كلها. وتكرّر الكلام أخيراً عن محاولات لتقديم مسلسلات وأفلام عن ثلاث شخصيات تحديداً كانت بعيدة عن تفكير صنّاع الدراما في مصر. الأول هو المشير عبد الحكيم عامر الرجل الثاني في نظام الرئيس جمال عبد الناصر الذي يشكو المتعاطفون معه من تحميله منفرداً مسؤولية هزيمة 1967. وحتى الآن، لا تزال واقعة انتحاره أو قتله تشهد جدلاً تاريخياً بين كل الأطراف التي شهدت تلك الأيام العصيبة في تاريخ مصر المعاصر. وكانت أغلب الأعمال الدرامية التي تطرّقت إلى عهد عبد الناصر تصوّر عامر شخصاً محيّراً لا يمكن التعاطف معه. وأبرز دليل على ذلك ما حصل مع طارق دسوقي في فيلم «ناصر 56» ومع هشام سليم في فيلم «جمال عبد الناصر»، وطارق لطفي في مسلسل «العندليب». لكنّ أحمد صفوت في مسلسل «ناصر» نجح من خلال نص «سري الجندي في تقديم صورة أكثر توازناً لعبد الحكيم عامر». وشجّع هذا الأمر الممثلة المعتزلة برلنتي عبد الحميد الزوجة الثانية للمشير على تكثيف جهودها لتحويل كتاب «قدري .. الطريق إلى عامر» إلى مسلسل تلفزيوني. وقد أعلن مصطفى محرم أنّه في صدد كتابته حالياً. وكانت عبد الحميد قد بذلت جهوداً منذ سنوات لتحويل الكتاب إلى عمل درامي من دون أن تنجح، لأنّها كانت تطلب بدلاً مادياً كبيراً بحجة أنّ العمل يحتوي على معلومات حساسة ومهمة. وجاءت تصريحات محرم عن المشروع بأنّه سيوضح دور عبد الناصر الحقيقي في الهزيمة لتضع المسلسل في مواجهة غضب كبير من محبي الزعيم الراحل داخل مصر. وقد يعيق هذا الغضب المشروع برمته، إذا نظرنا إليه من الناحية المالية. إذ إنّ تمويله سيواجه مشكلة، وخصوصاً أنّ أحداً لن يقبل إنتاج عمل عن شخصية مثيرة للجدل. هنا تجدر الإشارة إلى أنّ الرقابة المصرية رفضت قبل خمس سنوات سيناريو فيلم «الرئيس والمشير» للسيناريست ممدوح الليثي والمخرج خالد يوسف من دون إعطاء أسباب مقنعة.
العائق المادي وغضب الناصريين يقف أيضاً أمام تقديم الشخصية الممنوعة الثانية، أي اللواء محمد نجيب أوّل رئيس للجمهورية المصرية الذي ظل المصريون لسنوات يجهلون تفاصيل حياته. وقد بدأ الكاتب محمد ثروت عملية البحث عن مموّل لإنتاج عمل عن الرئيس الذي قضى قرابة ثلاثين عاماً داخل منزله بعد عزله في حزيران (يونيو) عام 1954. وكانت شخصية نجيب غالباً ما تظهر كضيف شرف في الأعمال التي تناولت حياة عبد الناصر.
وإذا كانت الثورة دخلت في عداء مع جماعة «الإخوان المسلمين»، فإن مؤسسها حسن البنّا يتعرّض الآن للظروف نفسها التي يمر بها نجيب وعامر على المستوى الدرامي. لكنّ الوضع بالنسبة إلى البنا أكثر تعقيداً. لولا مسلسل «الجماعة» الذي يقترب وحيد حامد والمخرج عادل أديب من وضع خطّته النهائية، لما تحمّس سيف الإسلام حسن البنا وبعض قيادات الجماعة لتقديم فيلم عن حياة «الإمام الشهيد». ويقول هؤلاء إنّ المسؤول عن ملف الإعلام بين نواب الجماعة في مجلس الشعب محسن راضي يشرف حالياً على كتابة نص العمل.
وقرّر «رجال البنّا» تقديم هذا العمل لأنّهم ببساطة لا يثقون أبداً بالصورة التي ستقدّم عن مؤسسهم في المسلسل. ويرى هؤلاء أنّ موافقة الرقابة على تقديم المسلسل تعتبر بمثابة موافقة على تقديم فيلمهم، لأنّ رفض الرقابة للشريط يعني أنّها تكيل بمكيالين.
وإذا كان مسلسلَا عامر ونجيب من دون أبطال أو مخرجين حتى الآن، فإن صحافياً منتمياً لـ«الإخوان المسلمين» هو إبراهيم الدراوي يحاول الحصول على بطولة الفيلم، وذلك بسبب التشابه بينه وبين الإمام الراحل. لكنّ القائمين على الفيلم لم يعلنوا بعد موقفهم تجاه البطل المنتظر.


أين ذهب السادات؟

أشهر مرت على موجة مسلسلات التي تقدّم حياة الرئيس المصري الراحل أنور السادات، أبرزها المسلسل الذي ادعى مؤلفه أنيس الدغيدي أن نيكولاس كيدج (الصورة) وافق على بطولته، إلى جانب مسلسلات أخرى من تأليف أميرة أبو الفتوح ومحسن الجلاد... كل ما سبق خرج إلى النور بعد انتهاء عرض مسلسل «ناصر». لكن سرعان ما لاذ الجميع بالصمت، وخصوصاً صاحب مفاجأة نيكولاس كيدج. هل سيخرج السادات إلى النور قريباً، أم سيواجه الصعوبات نفسها التي يواجهها عامر ونجيب، وكلهم كانوا أعضاء في مجلس قيادة الثورة المصرية، ليظل جمال عبد الناصر صاحب الحظوة الأكبر حتى على مستوى السينما والمسلسلات.