بيار أبي صعب لسنا نعرف تماماً من الذي خطط لـ«بيروت عاصمة عالميّة للكتاب»، وإلى أي مدى أُشرك المبدعون والمنتجون والموزّعون والناشطون الثقافيّون والأكاديميّون، في تحديد الخيارات الاستراتيجيّة للمناسبة. غير أن البرنامج يثير تساؤلات كثيرة. ليس فقط بسبب طابعه السياحي والفولكلوري ـــ والاعتباطي أحياناً ـــ بل بفلسفته أيضاً، فأي تظاهرة بهذا الحجم، من الطبيعي أن يشوبها بعض الاستعراضيّة والارتجال، وأن تراعي ضرورات بيروقراطيّة (وسياسيّة). بلد يحكمه الإقطاع والمقاولون وأمراء الطوائف يصعب أن تحتل النوعيّة فيه، فجأةً، موقع الصدارة، أو أن تتولّى الطليعة الأدبيّة والفكريّة تنظيم مهرجاناته الثقافيّة، حتّى وإن كانت (خصوصاً إذا كانت؟) تلك الأخيرة تحت راية «الأونيسكو».
لكنها، في مناسبة كهذه توفّر الإمكانات الماديّة والتقنيّة، وتفتح أبواب الشراكة العالميّة، كنّا نطمح إلى بعض المبادرات التي تؤثّر بعمق في خدمة الكتاب وانتشاره، والبحث عن سبل إدراج الكتابة والقراءة مجدّداً في السلوك العام. نفكّر في دور واسع ومنهجي للإعلام: مثلاً برنامج يومي من 5 دقائق على القناة الوطنيّة، ومحطات أخرى، في فترة الإقبال المرتفع، يعرّف بالكتب ويحرّض على تذوقّها والإقبال عليها. نفكّر في طبعات شعبيّة لمؤلفات عالميّة وعربيّة، توَزّع على نطاق واسع. في إعادة إدخال فنّ القراءة إلى الحصص المدرسيّة، وتنظيم مسابقات ينقلها التلفزيون، يتبارى خلالها قرّاء ناشئون على تقديم الكتب ضمن قائمة من الأعمال المرجعيّة. نفكّر في مشروع وطني للترجمة... في إطلاق مؤسسات ومبادرات من شأنها أن تستمرّ طويلاً بعد انطفاء أضواء الاحتفال. بيروت مدينة الأحلام الضائعة.