التابوهات في العالم العربي من خلال عائلة سورية ونظرتها إلى الفتاة. تصوّر المخرجة الشابة رشا شربتجي مجتمعاً اختار التنفيس عن مشاكله باضطهاد عنصره الأضعف
دمشق ــ إيمان جابر
ما كاد تصوير مسلسل «العار» يبدأ حتى انهالت عليه الاعتراضات من القنوات العربية بسبب... عنوانه! ربما وجدت هذه الأطراف في كلمة «العار» خدشاً للحياء العام وتخطّياً لحدود رُسمت للدراما. إذ تتخذ هذه الكلمة معاني مختلفة في أرجاء الوطن العربي، وهو ما دفع القيّمين على العمل للتفكير في تغيير اسمه إلى «أيام العار» أو «المدينة الفاضلة».
يحاول المسلسل ـــــ تأليف حسن سامي يوسف ونجيب نصير وإخراج رشا شربتجي ـــــ الغوص في مفهوم العار من وجهة نظر المجتمع العربي وتابوهاته ومحظوراته. هكذا، يطرح من خلال الشخصيات والحوادث أسئلة عدة: هل فقدان المرأة لعذريتها وحملها خارج إطار المؤسسة «الشرعيّة» أي الزواج، هو عارٌ في مجتمعاتنا العربية؟ أم هو العار السياسي الذي تعيشه هذه المجتمعات أم الاقتصادي؟
يعرض الشريط قصة اجتماعية تدور أحداثها حول أسرة أبو المنذر (خالد تاجا) التي تنتمي إلى الطبقة الوسطى. وفي سياق الأحداث، تظهر الصعوبات التي تعيشها هذه العائلة السورية التي بدأت تتآكل بسبب انغلاقها على ذاتها وعلاقتها المعقّدة مع المرأة، إضافة إلى تبنّيها بعض المفاهيم الاجتماعية الجديدة التي يفرضها الواقع الاقتصادي والسياسي المعيش يومياً.
تسكن العائلة إحدى الجادات في سفح جبل قاسيون القديم. وتتألّف من الأب (أبو المنذر) وهو الموظف الذي وصل إلى سن التقاعد ولم يواجه حتى السّاعة أي مشاكل كبيرة في حياته. إضافة إلى الأم المقعدة (ثناء دبسي) منذ 15عاماً والابن البكر منذر (إياد أبو الشامات) الذي يتزوّج ويسكن معه في الشقة الواسعة نفسها التي اشتراها في بداية السبعينيات من القرن العشرين. أما باقي الأولاد فهم الابنة الكبرى بثينة (سلافة المعمار) التي كرّست حياتها لخدمة أمها وعائلتها ففاتها قطار الزواج و... «عنّست»، والابن الجامعي الموظّف نورس (مكسيم خليل) الذي غالباً ما يلجأ إلى الرشوة لحلّ مشاكله المادية، وأخيراً الابنة الصغرى، الطالبة الجامعية رانيا (كندا حنا) التي لا تزال تعيش مراهقتها، فتخوض مغامرات عاطفية
متعدّدة.
لكن هذه الحياة العادية لن تدوم طويلاً، إذ ستنفجر الأحداث في وجه الجميع بسبب الابنة الكبرى بثينة. بثينة التي كان يُفترض أن تمضي حياتها في خدمة عائلتها، تصحو فجأة على حاجاتها الجسدية والجنسية وتشعر للمرّة الأولى بالكبت الذي عاشته في حياتها فتختار طريقاً آخر بحثاً عن القليل من الحرية وبعيداً عن الخطوط التي رسمت لحياتها.
تعيش بثينة إذاً، قصة حبّ مع رجل متزوّج (تيم حسن) يعاني هو نفسه من مشاكل عدّة أبرزها علاقته المعقّدة مع زوجته. وتفضي قصّة الحبّ هذه إلى علاقة جنسيّة «شرّعها» الحبيبان بورقة الزواج العرفي. لكنّ الأمور لن تقف عند هذا الحدّ بل ستجد المرأة نفسها حاملاً وعاجزةً عن القيام بأي شيء تجاه الموضوع.
هكذا تتحوّل بثينة من الأخت والابنة المثالية التي مثّلت بديلاً للأم طيلة خمسة عشر عاماً إلى المرأة الزانية والفاسدة بنظر المجتمع وبنظر عائلتها طبعاً.
وتتطوّر الأحداث فتتعرّف بثينة على يوسف (بسام كوسا)، بائع الكتب المستعملة على أحد أرصفة دمشق الذي يكون غارقاً بمشاكله العائلية مع زوجته، والمادية مع صاحب المنزل الذي يسكن فيه. لا يتردّد الرجل بمساعدتها ويدعمها بفتات النقود التي يملكها، في وقت امتنع محيطها عن مساعدتها، وخصوصاً جميل الذي يهرب منها ومن المشاكل التي يمكن أن تسبّبها له
بحملها.
لا يمكن للمشاهد إلا أن يلاحظ العار الشخصي الذي يعيشه كل فرد من أفراد المسلسل، فالأب يستعجل موت زوجته المريضة من خلال امتناعه عن إعطائها الدواء ليتزوّج بامرأة أخرى، والابن البكر اليائس من الحياة، وأخوه الوصولي والمرتشي والابنة الصغرى التي تجد نفسها ضعيفةً أمام حبيبها الوسيم... إنّه «العار» السري إذاً الذي يعيشه الجميع بعيداً عن أحكام المجتمع. وحدها بثينة تحاكَم وعارها يظهر إلى العلن.
وستصوغ هذه الحكاية بصرياً المخرجة الشابة رشا شربتجي التي اشتهرت بإخراجها لهذا النوع من الأعمال بجرأة مع فريق من الممثلين السوريين، منهم بسام كوسا وتيم حسن وسلافة معمار وسمر سامي وخالد تاجا ومنى واصف ومحمد خير الجراح وإياد أبو الشامات ونادين تحسين بك وقمر خلف وسليم صبري وثناء دبسي وآخرون. يذكر أنّ العمل من إنتاج شركة «عاج».

المرأة بين السينما والدراما


فرق كبير بين أن تكون البطولة في عمل درامي للمرأة، وأن يكون العمل نفسه عن قضية تمسّ المرأة. بناءً على هذه القاعدة، يمكن تفسير التقارير السنوية التي تؤكد زيادة اهتمام الدراما المصرية بقضايا المرأة، رغم عدم وجود تأثير إيجابي لمعظم هذه الأعمال على المشاهدين.
متابعة المسلسلات المصرية في السنوات الأخيرة تكشف أنّ حالات نادرة تناولت قضايا نسائية حقيقية مثل «قضية رأي عام»، وهو أول مسلسل يتطرّق إلى موضوع الاغتصاب. ورغم أنّ يسرا (الصورة) تناولت في المسلسل الذي تلاه، قضايا كواليس العمل الصحافي، إلا أنّها عادت بعدها لتمثيل دور المنقذة لمجتمعها، وهو ما يحصل غالباً مع معظم الممثلات اللواتي يطالبن بكتابة أعمال تناسبهنّ، ما يسهم في عدم تركيز المشاهد على قضيّة المسلسل،
حتى المسلسلات التي تنجح فيها النجمات مثل «قصة الأمس» لإلهام شاهين، فالسبب هو أولاً القضية الاجتماعية التي تتناولها. وشاهين نفسها قدّمت قبل أكثر من 10سنوات مسلسل «البراري والحامول» الذي تناول قصة وصول فلاحة إلى البرلمان وحقق وقتها نجاحاً كبيراً، لكن المغامرة حينها كانت متاحة، قبل زيادة معدّل النجومية في مشوار شاهين وأخواتها.
كل ما سبق ينطبق على مسلسلات سميرة أحمد ونبيلة عبيد وآثار الحكيم وميرفت أمين. والأخيرة قدّمت صورة إيجابية عن المرأة في «كلمة حق» في رمضان الماضي.
أما في السينما المصرية، فيبدو الوضع أسوأ. إذ إنّ أفلام البطلات كلها تقريباً كوميدية حتى الآن، إلى درجة أنّ هناك من يفتقد زمن أفلام نبيلة عبيد ونادية الجندي التي كانت تشهد قضايا مختلفة رغم الانتقادات الموجهة إليها. غير أنّ جيل المخرجات الجدد نجح في تقديم بعض اللمحات عن حياة الفتاة المصرية مع التركيز على قضايا الحب والعلاقة مع الرجل ونظرة المجتمع السلبية لحرية المرأة، وهو ما يتأكد عبر مشاهدة أفلام هالة خليل «أحلى أوقات» و«قصة لزق»...