تخال للوهلة الأولى أنّه سيمثّل فتحاً في تاريخ البرامج اليومية المباشرة، فإذا بنا نفاجأ ببرنامج هوليوودي يتناول مشكلات المنطقة على «الطريقة الأميركية»!
صباح أيوب
يبدو أنّ أحصنة الحرّة لم تتعب من الجري بعد، لا بل إنّها أخذت حقنةً منشّطة مع مجيء الإدارة الأميركية الجديدة. على رغم إثبات فشلها في «تحسين الصورة الأميركية» في العالم العربي، وهو الهدف الذي أُنشئت من أجله، وفشلها في منافسة «الجزيرة» و«العربية» كما يقرّ المسؤولون الأميركيون أنفسهم، ها هي القناة الناطقة بالعربية تحصل على تمويل جديد وضخم لتحقيق الأهداف المرجوّة نفسها. «اليوم» هو البرنامج الذي قررت القناة الممولة مباشرة من الحكومة الأميركية أن تفتتح به «العهد الجديد». تخال للوهلة الأولى أنّ البرنامج الذي رافقته حملةٌ إعلانية وحملة علاقات عامة، سيمثّل فتحاً في تاريخ البرامج اليومية المباشرة. لكنّ الواقع، لغاية اليوم، لا يدلّ على ذلك. برنامج «اليوم»، حسب تعريف المحطة، سيكون «نافذة» تقدّم كل ما هو جديد من الشرق الأوسط والعالم بأسلوب «حديث وفريد وهوليوودي». البرنامج الذي بدأ عرضه منذ خمسة أيام ويحظى بتمويل ضخم، هو عبارة عن أجندة تتناول الأخبار السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية، من خلال تقارير ومقابلات معدّة أو مباشرة من الاستوديو. أما «الفريد» الذي تحتفل به القناة فهو توزيع فقرات البرنامج ومساحات البث المباشر في ساعاته الثلاث على دبي، بيروت، القاهرة، القدس، وفيرجينيا. مجموعة مراسلي «الحرّة» في كل من تلك العواصم يختارون موضوعاً راهناً ويعدّون تقارير ميدانية مع احتمال استقبال ضيوف مرتبطين بالموضوع المطروح. «عذراً على ضيق الوقت»، «أجبني بسرعة»، «انتهى وقتك... انتهت الفقرة» هذه هي العبارات التي يسمعها المشاهد على مدار ساعات البرنامج، وهذا ما يلجأ إليه المقدّمون لإنهاء حديث المراسل الميداني والضيوف. «هو نمط جديد ومختلف كلياً عما تعتمده المحطات العربية الكلاسيكية. هو النمط الأميركي بامتياز» هكذا تشرح إحدى منتجات البرنامج زلفا شهاب، من مكتب «الحرّة» في بيروت، سبب السرعة في تناول المواضيع وضيق وقت الفقرات مع الإصرار على تكثيفها. زلفا، تعرّف «اليوم» كـ«برنامج استعراضي أميركي ناطق باللغة العربية» مع ميل إلى الترفيه والتسلية أكثر منه إلى الجدية و«الكلاسيكية» كما تقول. لكن إلى مَن يتوجّه حقاً برنامج يعالج المشاكل الاجتماعية في العالم العربي بطريقة «أميركية استعراضية»؟ تجيب شهاب «نحن نتوجّه إلى المشاهدين العرب والأميركيين على حدّ سواء». وحين نسأل زلفا كيف ذلك والبرنامج يقدم باللغة العربية، تردف «إذاً هو للأميركيين الذين يتكلمون العربية». وهذا ما برّر أيضاً، على حدّ تعبيرها، سبب تخصيص إحدى الفقرات من بيروت عن «الاستقصاء لمعرفة جذور والدة المبعوث الأميركي إلى المنطقة جورج ميتشل» (هل هذه بالفعل إحدى أهمّ مشكلات المجتمع اللبناني؟). التقرير الذي أطلقت عليه صفة الـ«استقصائي» لم يأت بأي معلومة عن والدة ميتشل التي أطلق عليها المراسل والمذيعة أسماء مختلفة أثناء الفقرة (منتهى، ماريا، وباربرا)، ما ترك المشاهد في حيرة أكبر. البرنامج بفقراته المكثفة والسريعة يخترقه كل نصف ساعة موجز للأنباء، وكل ساعة نشرة أخبار، ما يجعل متابعة مواضيعه مهمّةً شاقةً، ناهيك عن «الاختراقات» غير المحسوبة لمقاطع من نشرات أو برامج أخرى تدخل فجأة على الهواء! أخطاء تقنية سببها التنقل بين البلدان وفروقات الوقت وبعض الفوضى في التنسيق بين أميركا والعواصم العربية (!).
«ننتقل الآن إلى جنوب البلاد»، هكذا يشير مذيعو «اليوم» إلى انتقال الهواء إلى... القدس. مراسلو «الحرّة» في فلسطين المحتلة يعرّفون عن مواقعهم بتعبير «شمال البلاد» و«جنوب البلاد»، لكن أي بلاد؟ لا أحد يحدد. التقارير الآتية من سديروت وبلدة «جسر الزرقاء» هي من «شمال البلاد» والمحلّلون الإسرائيليون الضيوف من القدس هم من «جنوب البلاد». فلسطين أو إسرائيل؟ «الحرة» لا تجيب.
تمرّ التقارير عن «الإسرائيليين المسالمين» الذين يتلقون صواريخ «حماس» كجزء من «المشاكل» الاجتماعية والحياة اليومية في المنطقة، توازيها مشكلة الفقر والجهل في مصر والمشاكل السياسية في لبنان والأزمة الاقتصادية في الخليج...
«ألو فرجينيا، أطلب منكم إعطائي مساحة أكبر لتقرير بيروت» تحاكي زلفا زملاءها في أميركا، عبر خطّ مباشر داخلي من غرفة الكونترول، موضحة: «أميركا هي التي تقرر لمن تعطي الهواء»!


من الأحد إلى الجمعة 18:00 على «الحرّة»