بيار أبي صعببين مؤلفات عبد الكبير الخطيبي التي لا تحصى، في مجالات نظريّة وإبداعيّة شتّى، هناك كتاب يبقى إلى اليوم أقرب إلى اللغز. نصّ طلسمي، أو رسالة مشفّرة إلى معاصريه، تحمل لنا جديداً مع كلّ زيارة. إنّه «المناضل الطبقي على الطريقة الطاويّة» (صدر بالفرنسيّة في عام 1976، وعرّبه الشاعر والمترجم والباحث العراقي/ الباريسي كاظم جهاد، وصدر في عام 1986 عن «دار توبقال» المغربيّة). دار جدال حاد حول مدى جواز تصنيفه في خانة الشعر، لكنّه كذلك في العمق. ربّما جاز اعتباره نصّاً فكرياً أو حكمياً، لا يبتعد عن سيوران كثيراً، ولو أن كتاب لاوتسو يبقى مرجعه الظاهر. وماذا لو نظرنا إليه بصفته الكتاب الحميم، القادر على اختصار صاحبه الذي يترك لنا منجزاً متعدد الروافد والوجوه: النقد أساساً، علم الاجتماع والفلسفة كمادة مرجعيّة، اللغة والكتابة ومنظومة الإشارات، الرواية والشعر والنصّ الإبداعي...؟ وذلك القاسم المشترك، «التأليفي»، لمثقف عربي مغاربي تجاوز شروط الجغرافيا، وبنى منهجه على فكرة النقد (المزدوج) في قلب الأزمة، ومكانة الإنسان في قلب الحاضرة (أو المدينة)، ضمن علاقة جدليّة بين الإحساس والفكرة والكتابة (أو الشكل الإبداعي). هذا المثقف الملتزم (بالمعنى السارتري الأصفى)، «القلق»، «الشاهد»، المنشغل بتفكيك البنى ونقد المجتمع، باستقراء العلامات والرموز وتحريك الفكر، يزاوج هنا بين الماركسيّة والطاويّة، بين التغيير والتأمّل. إنّه «عناد» الكتابة، تجليات فكر يقترن بالواقع خارجاً على الأنساق الفوقيّة الجاهزة. نلتقيه هنا في لحظة ترف جمالي، وتيه لا يوفّره إلا الشعر. والشاعر رأى كلّ شيء: «وها أنا أغادر الحكمة المنظومة/ مواصلاً سيري في هذه الرحلة/ قاربي الصغير ينزلق/ والموجة ترشق الزبد الراقص».