نوال العلي«الطريق تمضي حيث شاءت، ولا ينكفئ سواي بفعل الغريزة أو النزوة، كمن يدرك القطار الأخير المغادر/ الحافلة الأولى التي تزمّر في الصباح/ القارب الأول الذي يترنح آخر الرصيف./ كمن يقدم لنفسه مصيراً جديداً على الورق/ وفرصة أن يكون أكثر مما هو نفسه/ في مكان آخر». هذا المقطع من إحدى القصائد التي سيسمعها جمهور طرابلس مساء اليوم في «بيت الفن»، أو غداً لمريدي الشعر في «المركز الثقافي الفرنسي» في بيروت. والشاعر هو أندريه فيلتير الحائز جائزة «غونكور» عام 1996. يمكننا تلمّس مزاج قصيدته كمن يتعرف بها لا كمَن يعرفها. لكن قراءة شعره وسماعه على المواقع المختلفة، تفتح لنا باباً على مكوناته الشعرية. ثمة تدفق هادئ لمشاهدات داخلية موقّعة بالموسيقى. وكثيراً ما تشبه قصيدته المرنّخة في إيقاعها الهادئ وصورها المتتابعة ترحاله في الأماكن. هو الذي جاب البلاد شرقاً وغرباً، من فرنسا إلى أوروبا كلّها حتى المغرب وأفغانستان والهند والنيبال.
التنوع الذي تكتسبه إيقاعاته الشعرية وتدرجاتها هو جزء من التعددية الحضارية التي يثابر على التعرف إليها عن كثب. هو الذي أصدر ديوانه الأول «عائشة» مع الشاعر سيرج سوترو، وعمل على نقل قصائد نساء البشتون إلى الفرنسية. إنّه يحمل في قصيدته حقيبة من لغة المسافر، كمن يدرك القطار الأخير، أو القارب المتأهب، أو العمر المبتعد.
هناك من يرى أنّ أندريه فيلتير (1945)، بمعزل عن موهبته، لم يتلقّ قراءةً منصفةً لعالمه الشعري بما له وما عليه لسببين: نفوذه على الساحة الثقافيّة الفرنسيّة كمدير سلسلة شعرية مهمّة لدى «منشورات غاليمار» (Collection Poésie/Gallimard)، وصاحب برنامج ثقافي مهمّ على إذاعة France Culture... أما الثاني فيتعلق بدماثة الشاعر وشخصيته المتواضعة التي تجعل من انتقاده مسألةً محرجة إلى حد ما.
ومهما كان الحال، فإن هذا الشاعر الفرنسي الذي نال جائزة مالارميه في الشعر عن مجموعته «الشجرة وحدها»، أصدر أكثر من 12 ديواناً منها «الجحيم والأزهار» و«شعراء القط الأسود». لننظر عن كثب إلى قصيدته «أورفيوس قبل الخامسة مساءً» (من مجموعة «كل هذه الشموس في الدم»): «كما لو أنّ الجحيم اتّخذ من جسدك باباً/ كما لو أنّ المتاهة اتخذت من جسدك باباً/ كما لو أن الأبدية كانت جسدك وراء الباب».


6:00 مساء اليوم ــ «بيت الفنّ» (طرابلس)
6:30 مساء غد ــ المركز الثقافي الفرنسي (طريق الشام ـ بيروت) ـ 01/420205