محمد خيررغم أنّ أيّ تسريب لأعمال لجنة التحكيم لم يحدث، فإنّ إحساساً بفوز «عزازيل» كان موجوداً بقوة قبل إعلان الفائز بجائزة «بوكر» العربيّة. في الواقع، بدا أنّ عدم فوز الرواية كان سيحمل في طيّاته استبعاداً لها بأكثر مما يعني فوز رواية أخرى. وقد تأكّد التوقّع العارم بفوز رواية يوسف زيدان التاريخية بما أفصحت عنه لاحقاً يمنى العيد. الناقدة اللبنانيّة التي ترأست لجنة التحكيم، قالت إنّ الفوز جاء بالإجماع بغض النظر عن آليّة حدوثه، وبعيداً عن حديث تفضيل النصّ على الاسم المكرّس (زيدان بدلاً من محمد البساطي). إذ يرى كثيرون أنّ العكس حدث العام الماضي (بهاء طاهر بدلاً من خالد خليفة مثلاً). وفي ظل ذلك التوقع الكبير بفوز «عزازيل»، كان عدم فوز الرواية سيفتح أبواباً أغلقت بفوزها. وأهمها ذلك الحديث الذي تصاعد بموازاة اقتراب إعلان النتيجة، عن استبعاد فوز مصري بها للعام الثاني، فضلاً عن كون الناشر هو نفسه الفائز بجائزة الدورة الأولى. بالتالي، لم يكن ليقتنع أحد بأنّ استبعاد «عزازيل» ـــ لو حدث ـــ لن يكون لهذين السببين، ما كان سيفقد الجائزة أهم مميزاتها: صدقية مأمولة تبتعد عن الحسابات التقليدية العربية!
لكن أسباباً أخرى قدّمها بعضهم في مواجهة «عزازيل» منها مضمون الرواية (التاريخ اللاهوتي)، بعدما اتّهمت الكنيسة المصرية المؤلف/ الراوي بالانحياز لموقف «نسطور المهرطق» على حساب «القس كيرلس عمود الدين». وقد رأى رافضو «عزازيل» تمييزاً ضد الأقباط المصريين، تحت دعوى أنّ المؤلف زيدان هو مسلم تبنّى رؤية نسطور بخصوص «بشرية المسيح لا ألوهيته»، منسجماً مع الرؤية الإسلامية للمسألة. ما يُعد، في نظر المحتجين، ضرباً تحت الحزام يُسهم في إذكاء إحساس مسيحيي مصر بالعزلة والتمييز ضدهم.
والواقع أنّ صعوبة تناول كاتب قبطي لشأن إسلامي ـــ حتى لو كان ذلك الشأن يمثل جزءاً من التاريخ المصري الجماعي ـــ هي صعوبة لا يمكن أن ينكرها منصف. لكنّها لا تعني أن علاجها يكون في مدّ خط المنع إلى آخره، وحصر كل كاتب إلى ما وراء حصون طائفته. سياسة «المساواة في الظلم عدل» قد تنفع للحياة العسكرية لكنّها لا تفيد المجتمع المدني، أو الذي يريد أن يصبح مدنيّاًً.
أمّا الحديث عن مدى القيمة الأدبية للرواية مقارنةً برواية محمد البساطي فكان سبباً إضافياً طرحه بعضهم لرفض فوز «عزازيل». ما يبدو هنا حديثاً في غير محلّه. البساطي كبير فعلاً، لكن رواية «جوع» لم تكن النص الذي لا يمكن لجنة التحكيم تجاوزه. بينما قدمت «عزازيل» أسباباً عدّة للفوز. إنها إشكالية، تاريخية، محلية، رائجة، لذا يبدو فوزها هو الأكثر طبيعية، حتى لو أزعج بعضهم... ودفعه إلى الاستقالة!