العربي مسحوق بين الأصوليات وديكتاتوريات مدعومة أميركياًزياد عبدالله
خرج مورغان سوبرلوك من وجبات «مكدونالدز» السريعة وهو يصرخ «أين هو أسامة بن لادن؟». زاد وزنه 25 باونداً وهو لا يأكل غير الـ«جانك فوود». لكن ها هو يتخلّص من هذا الوزن الزائد الذي أرهقه عام 2004 مع فيلمه Super Size Me (إخراج وتمثيل) ويعود إلى رشاقته في جديده ?Where in The World is Osama Bin Laden (أين هو أسامة بن لادن في هذا العالم).... رشاقة ساعدته على التنقّل بين سبعة بلدان باحثاً عن إجابة عن هذا السؤال. الشريط الوثائقي الذي كتبه وأخرجه ومثّله مورغان سوبرلوك (1970)، أحد السينمائيّين الأميركيين المستقلّين، يقتفي أثر زعيم التنظيم الأصولي سائلاً الناس العاديين عن مكانه. وتتقاطع في الفيلم مشاهد لزوجة سوبرلوك وهي في المراحل الأخيرة من الحمل.
بعدما وثّق في شريطه الأوّل الآثار النفسية والصحّية المدمّرة للوجبات السريعة، ورصدَ ممارسات شركات الأطعمة السريعة بوصفها أحد مظاهر العولمة الأميركية، ها هو سوبرلوك يتّجه إلى مكان آخر ويسأل عن مكان بن لادن. السؤال يهبط عليه بوصفه مواطناً أميركياً أولاً، فيما دافعه هو البحث عن الأمان الذي يتمنّاه لطفله الذي لم يولد بعد. بعد أن يمر على الجريمة التي تتسيّد الشارع الأميركي، وغيرها من مخاطر لا يستثني منها إعصار كاترينا، يصل سوبرلوك إلى أسامة بن لادن بوصفه العدو والخطر الرقم الواحد لأميركا العاجزة بكل أقمارها الصناعية وتقنياتها المعقدة عن العثور عليه. هكذا، يتحوّل الشريط إلى «لعبة فيديو» محاولاً الإجابة عن هذا السؤال المؤرق بإيقاع سريع يحمل قدراً كبيراً من السخريةنتابع سوبرلوك خلال استعداداته لرحلة ستقوده إلى البلدان التي قد يلجأ إليها بن لادن. وهنا، يتقصّد المخرج أن يُظهر لنا كلّ المخاوف التي تعتري الأميركي لدى زيارته الشرق الأوسط «الإرهابي والإسلامي فقط». هكذا، نراه يأخذ كل اللقاحات اللازمة، يتدرّب على الأسلحة بأنواعها، وفنون القتال، والسلوك الذي عليه التحلي به إذا تعرض للخطف، مع تعلّم بعض العبارات العربية، وبالتأكيد «السلام عليكم».
في العودة إلى ألعاب الفيديو التي يستعين بها سوبرلوك لتقسيم فيلمه، تتحول الرحلة إلى جولة. وكلما اضطر إلى توضيح خلفيّات سياسية لما نراه أمامنا من أحاديث، ظهرت شخصيات الرؤساء أو غيرهم أمامنا بواسطة الأنيمايشن. وتبدأ جولته الأولى في مصر، والثانية في المغرب، ومن ثم يزور فلسطين، الأردن، السعودية، أفغانستان، باكستان.
يحاول سوبرلوك في كل بلد أن يقدمّ صورةً عنه، من خلال تركيزه على إنسان الشارع البسيط. ولعل ذلك هو فضيلة الفيلم الرئيسة. في مصر التي يبدأ بها لكون أيمن الظواهري مصرياً، يُكثر مِن حديثه عن حسني مبارك، ويقدّم من خلاله رصداً لعلاقة حكومة بلاده بهذا الرئيس. لكنّه ينأى عن ذلك حين يصل إلى السعودية، حيث يُظهر تناقضاتها والتزمّت الذي يجاور نزعةً استهلاكية، تجعله يتنقّل في مراكز التسوق هائماً على وجهه، لا بل يستعين بدليل الهاتف للسؤال عن بن لادن.
السؤال الذي يحمله الفيلم سرعان ما يتحوّل إلى بحث كامل عن أسباب الإرهاب وخلفياته ومنابعه، إضافةً إلى صورة أميركا والأميركي في الشارع العربي، والدعم الأميركي للديكتاتوريات العربية، وانسحاق المواطن العربي بين أصوليات إرهابية يرفضها وحكومات تضطهده، إضافة إلى إسرائيل. هكذا، يسلّط ـــ لدى انتقاله إلى الأراضي المحتلة ـــ الضوء على آراء ترفض كل ما يمثّله بن لادن. أحدهم يقول «ليدعنا وشأننا، نحن نعرف كيف نحرّر أرضنا». بينما يعتبره آخر ككل الحكومات العربية التي تستخدم فلسطين أداةً لكسب تأييد الشعوب العربية والإسلامية، بينما يقول له أحد الشبان «يا ريت يفجر بن لادن إسرائيل».
ولدى انتقال الفيلم إلى الجانب الإسرائيلي، يغدو حديث إحدى المستوطنات طهرانياً وتكفيراً مثل خطاب بن لادن، «الأرض التي تعيش عليها هبةٌ من الله» وصولاً إلى تعرّض سوبرلوك نفسه لمضايقات كادت تصل إلى ضربه لولا تدخّل الشرطة، وذلك حين سعى إلى أخذ آراء المتطرفين اليهود.
آراء لا حصر لها يستطلعها الفيلم، تصل به إلى تورا بورا وبيشاور ولا أحد يعرف أين بن لادن. لا بل إن الفيلم سيضيء على أنّ «الحرب على الإرهاب» تخطّت هذا الشخص. «أنت تبحث عن شخص واحد» يردّد كثيرون هذه العبارة في الفيلم، بينما يحضر البؤس والفقر، ما يدفع سوبرلوك للتعليق بأنّ تفكيره في مستقبل طفله يعدّ «مهزلة» أمام ملايين الأطفال الذي لا يملكون مستقبلاً. ثم نصل إلى نهاية تختلف تماماً عن البداية: كل ما تعلّمه سوبرلوك من فنون القتال لا طائل منه. فالناس هنا طيبون وبسطاء. هكذا، نراه يتناول الغداء في بيت رجل فقير في مراكش، ويشرب الشاي في مقاهي القاهرة، والأغلبية تقول له «لا مشكلة لدينا مع الشعب الأميركي، مشكلتنا مع الحكومة».
سوبرلوك يلتقي مايكل مور ويفترق عنه في آن واحد. هو يسعى كي تكون أفلامه الوثائقية على إيقاع سريع ومدهش، معتمداً على المواضيع الساخنة في حياة الأميركي وعلى تسجيل الموقف، مع افتراقه عن استعراضية مور والحسّ المؤمراتي... وتحديداً في هذا الشريط الذي يبني حقائقه من آراء الناس وحياتهم.