ليال حدادلعلّ الطاولة المستديرة التي عقدت أول من أمس في بيروت بدعوة من «المبادرة اللبنانية للإعلام المدني» LCMI جاءت في توقيت مناسب، إذ إنّ اللقاء الذي ناقش التحريض الإلكتروني ومعايير رصده، جاء قبل أشهر قليلة من الانتخابات النيابية اللبنانية التي بدأت بوادر حدّتها تظهر على المواقع الحزبية والإخبارية. صحيح أن اللقاء لم يُفضِ إلى نتيجة واضحة، ولم ينته بالإجابة عن السؤال العريض للطاولة «هل من معايير لرصد التحريض الإلكتروني؟» إلا أنّه شرّع الباب واسعاً أمام نقاش غالباً ما يُتَجاهَل عند الحديث عن التجييش الإعلامي.
«عندما تدّعي فرقة الجهلة في 8 آذار... فهماً»، «مشكلة الفريق الحريري: انخفاض معدل الذكاء أو ارتفاع معدل الحقد»، «حملة عون على رجل الدين والمصرفي والإعلامي والطالب: موروثات يسارية وفاشية. 14 آذار يمين أخلاقي ودستوري... فلتعرف ذلك!»... وغيرها من العبارات التي اعتبرت «تحريضية» عرضها كريم المفتي ووسام صليبي (المشرفان على النقاش) وكان فريق العمل قد رصدها على عدد من المواقع الإلكترونية. وكان لافتاً محاولة الموازنة بين العبارات المرصودة في مواقع 8 آذار ومواقع 14 آذار، «لا نريد أن نُتَّهَم من أي فريق بأننا نميل إلى خصمه السياسي» يقول صليبي!
لكن ما هو معيار الرصد الحقيقي للتحريض؟ من يقرّر إن كانت هذه المادة أو تلك تحريضية؟ وما هو الحلّ لهذا الصراع الإلكتروني الذي غالباً ما يتخطّى حدود التعاطي الإعلامي مع الحدث السياسي؟ هذه الأسئلة كانت محاور النقاش، من دون أن يتمكّن الحاضرون من صحافيين وناشطين في المجتمع المدني وطلاب في كليات الإعلام من الوصول إلى وجهات نظر مشتركة. كذلك برز عند المشاركين اتجاهان في طريقة التعاطي مع موضوع التحريض. إذ رأى القسم الأول أن الالتزام بأي ميثاق شرف نوع من التضييق على الحريات الإعلامية، فيما رأى القسم الآخر أنّ ذلك ضروري للحدّ من التجاوزات التي ترتكبها المواقع بلا أي رقيب أو قانون.
يدرك القائمون على المبادرة أنّ عملهم يحتاج إلى مجهود كبير وتمويل ضخم للتمكّن من تغطية قسم أكبر من المواقع، وخصوصاً مع احتدام المعركة السياسية قبل الانتخابات. وهنا تطرح أسئلة عدّة: لماذا التركيز على المواقع دون المدوّنات السياسية التي قد تحتوي على «مستوى تحريض» أكبر؟ ولماذا يقتصر الرصد على التحريض السياسي دون الطائفي أو الجندري أو العرقي؟
يُذكَر أن تمويل هذه المبادرة هو من شركة «إنترنيوز»، يموّل القسم الأكبر من مشاريعها مكتب الديموقراطية وحقوق الإنسان والعمل، في وزارة الخارجية الأميركية (راجع «الأخبار» عدد ٥ حزيران ٢٠٠٨).