بشير صفيرفي الوقت الذي شهدت فيه بيروت صدور أسطوانة «موشّحات» لقائد الأوركسترا اللبناني سليم سحّاب، أبصر النور في العاصمة الفرنسية عملٌ يندرج في السياق نفسه، تولى فيه أيضاً المايسترو اللبناني قيادة فرقته المصرية هذه المرة («الفرقة القومية للموسيقى العربية»، دار الأوبرا ـــــ القاهرة). إنّها أسطوانة «تحيّة إلى أم كلثوم» أنتجها «معهد العالم العربي» (توزيع «هارمونيا موندي»)، وهي عبارة عن تسجيلات حية تعود إلى حزيران (يونيو) 2001، مقتطفة من حفلتين أقيمتا في فرنسا: الأولى من المهرجان الموسيقي الذي ينظمه «المعهد» والثانية من مهرجان «الشرقيات». في هاتين الحفلتين اللتين خُصِّصَتا لمغنيات الطرب من الجيل الجديد، شاركت المصرية رهام عبد الكريم، والمغربية كريمة الصقلّي، والتونسية عبير نصراوي. هكذا كرّمت المغنّيات الثلاث «كوكب الشرق» من خلال أداء بعض أغنياتها.
نبدأ مع رهام عبد الكريم التي غنّت «جدِّدت حبّك ليه» (كلمات أحمد رامي وألحان رياض السنباطيّ) و«حيّرت قلبي معاك» (للثنائي نفسه). نالت رهام الحصة الزمنية الأكبر من التسجيل (41 من 67 دقيقة ونصف)، فأدّت هاتين الأغنيتَيْن بصوت ذي نبرة فاتنة، شابّ الطاقة والاندفاع والنَفَس. وقد أحسنت استخدامه في الأغنية الثانية أكثر من الأولى، وهذا طبيعي بما أنّ «جدِّدت حبك ليه» تعدّ من الألحان الصعبة والمعقّدة عند السنباطي نسبةً إلى «حيرت قلبي معاك».
أما المغنّية المغربية كريمة الصقلي التي مثّل حضورها في مهرجانات بيت الدين الصيف الماضي الحدث الطربي بامتياز، فقد اختارت أغنيتَيْن من ألحان الشيخ زكريا أحمد: «إمتى الهوى» (كلمات يحيا محمد) و«لغة الزهور» أو «الورد جميل» (كلمات بيرم التونسي) من الفيلم الغنائي «فاطمة». كريمة هي من دون شك صاحبة الصوت الأكثر نضوجاً بين زميلاتها الثلاث (يروي شيئاً من غليلنا بعد رحيل الكبيرة ربى الجمال)، لكن تشوبه «لدغة حُسْن» ـــــ إذا جاز التشبيه ـــــ واضحة لكن غير مزعجة. ونسجِّل على مساهمة الصقلّي ملاحظتَيْن عابرتَيْن: بدايةُ دخولٍ خاطئ، صعب الالتقاط، لأحد أعضاء الكورس في «إمتى الهوى» (الدقيقة 4 و15 ثانية) وبدايةُ دخولٍ خاطئ، أيضاً صعب الالتقاط، لعازف الكمان هذه المرة في «لغة الزهور» (الدقيقة 1 و37 ثانية).
أما المحطة الأخيرة من الأسطوانة فمع التونسية عبير نصراوي التي أدّت «أنا في انتظارك» (كلمات بيرم التونسي وألحان زكريا أحمد). إنّها الصوت الثاقب واللعوب والأكثر نقاوةً وحماساً، لذا قد تكون هي مَن ألمح بأفضلية الإيقاع الأسرع مِن المعتاد (يتسارع خلال الدقيقة الأولى!)، ما نزَع عن الأغنية طابعها الدرامي ومنحها بعداً جديداً احتفالياً جميلاً.