محمد خيرفي قائمة «دار الآداب» عدد من الروايات التي صدرت أولاً عن «الهلال» المصرية. «دق الطبول» لمحمد البساطي ليست استثناءً، لكن الرواية تلقت في طبعتها اللبنانية دفعةً جديدةً، بفوزها أخيراً بجائزة «ساويرس» للرواية بالتزامن مع إنجاز آخر لرواية البساطي الأخرى «جوع» (الآداب)، إذ اختيرت ضمن القائمة القصيرة لجائزة «بوكر» العربية. يعيش الروائي المكرّس إذاً أفضل أيامه. لكن ذلك لا ينطبق على أبطال «دق الطبول». ورغم أنّهم لا يعيشون في ريف البساطي المعهود، إلا أنّ واقعهم الطبقي لا يختلف كثيراً، هم عمال وموظفون وسائقون وخدم، لا يكتفون بتقديم جهدهم لرفاهية الآخرين، بل يقدمون أحلامهم وكرامتهم وحياتهم التي تمضي بلا معنى. يسرد البساطي بسلاسة وجاذبية حبكة «الحدوتة»: إمارة بترولية متخيّلة وصغيرة، يصل فريقها لكرة القدم إلى كأس العالم، فيصدر الأمير مرسوماً بسفر أهل الإمارة إلى فرنسا لحضور مباريات المونديال! على أن تتحمل الموازنة العامة التكاليف وتخلو الإمارة كلّها للمستخدمين. خليط من جنسيات العالم الثالث، فيليبينيون وباكستانيون، هنود وعرب ومصريون منهم الراوي الذي يعمل مستخدماً في قصر أبو عامر ويتعرف إلى زاهية التي تعمل خادمة في قصر أبو سالم. عندما خلت الإمارة من أهلها، أصبح ممكناً أن يلتقي رجل وامرأة، لكنّ اللقاء قد يصبح بسهولة موعداً للحزن ومناسبة لحكاية تستكملها المرأة مع كل زيارة وتنهيها بمفاجأة. في اتفاق وجداني غير مكتوب، يتمنّى كل العمّال أن يفوز فريق الإمارة، فقط كي يستمر الفريق في البطولة وتطول «رحلة» أهل البلد، فتبقى الإمارة للعمال: الشوارع الفسيحة المضاءة تضج بكرنفالات الهنود، الناس أقاموا في خيام داخل الاستاد الخالي، يتابعون المباريات متمنين للفريق دوام الفوز، بينما يتبادلون الأكل والتعارف. أمّا من بقي في القصور والفيلات، فهو يجرب متعة الغوص في حمامات السباحة، لا تنظيفها فقط، حتى مخفر البوليس سمح للمحتجزين بالتمدد في الساحات المشمسة.
حكاية عجيبة أقرب إلى أمنية، وتواطؤ جماعي على عيب يسكن الجميع ولا يهمس به أحد، فلا يتذكرونه إلا في عرض الطبول: عرض بطله ساكن إفريقي نجا مما أصاب الجميع، فأصبح تذكاراً لِما يفقدونه كل يوم وتأكيداً للّعنة التي لا ترحم سوى مَن يغادر، والمغادرة تحتاج إلى ما هو أكثر من جواز سفر، تحتاج إلى أمل لا تضمنه العودة إلى الوطن.