الجمهوريون يستعملون «القوة الخشنة»، والديموقراطيّون «القوّة الليّنة». هكذا يرى مؤلّف «مأزق الإمبراطوريّة الأمريكية» الذي يدعو إلى عولمة منفتحة على الآخر

زينب مرعي
أزمة القطاع المالي وانهيار قطاع الإنترنت في نهاية ولاية كلينتون، إضافة إلى اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 التي افتُتح بها عهد جورج بوش، كانت أولى عوارض الضعف التي بانت على «العملاق الأميركي». من هنا انطلق الباحث فنسان الغريّب ليرصد آليّات تصدّع «العملاق» وتراجع جبروته، فبدأ بالعمل على كتابه الأول «مأزق الإمبراطوريّة الأمريكية» (مركز دراسات الوحدة العربيّة).
إذا كان هناك من يرى أنّ الأزمة الاقتصاديّة العالميّة غيمة عابرة، فإن هناك بين الباحثين من يرى فيها بداية نهاية النموذج الأميركي. فنسان الغريّب ينتمي إلى الفئة الثانية التي تبيّن لها أنّ الإمبراطوريّة الأميركيّة ومعها النظام الرأسمالي في مأزق، بل على شفا السقوط. يقول الغريّب لـ«الأخبار» إنّ خلاصته هذه هي نتيجة بحث علمي دام ثلاث سنوات اعتمد فيه على مراجع لكتّاب أميركيّين وغربيّين وحتى آسيويّين، إضافة إلى كتب الباحث سمير أمين.
ويقول الغريّب إنّ دراسة علميّة لصعود الإمبراطوريّات التاريخيّة وسقوطها، تجعل من الممكن تشبيه الولايات المتّحدة بالإمبراطوريّات. ذلك أن هدف الإمبراطوريّات هو التفرّد بحكم العالم: «بعد الحرب الباردة، انهارت الثنائيّة القطبيّة، وانتقلنا إلى مرحلة السياسة الأحاديّة أو حكم الولايات المتحدة». ويشير الباحث اللبناني إلى أنّ «الدولة الأميركيّة» ورثت من الإمبراطوريّات إيديولوجيّة وضع شعبها في رأس الهرم، ووصم الشعوب الأخرى بـ«الهمجيّة». كما تعتبر شعبها هو الشعب المختار. فكرة يشرح الغريّب أنها توراتيّة مزجت بين الدين والجناح الصهيو ـــــ مسيحي، إضافةً إلى تفوّقها الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي.
كذلك اعتمد فنسان الغريّب في اختياره مصطلح «الإمبراطوريّة» على المفكّر الأميركي بول كينيدي الذي يقول إنّه عندما تواجه الإمبراطوريّات أزمةً اقتصاديّةً، تحاول حلّها بالتوسّع العسكري، فينتج من ذلك «التمدّد المفرط» الذي يقود حتماً إلى انهيار الإمبراطوريّة. وهي السياسة التي اتّبعها بوش محاولاً تفادي الأزمة الاقتصاديّة اليوم، فأعلن مع بداية ولايته «الإسلام الفاشي» عدوّاً للغرب! ويفسّر الغريّب هذا الأمر بالحاجة الدائمة للرأسماليّة الأميركيّة إلى عدو خارجي، تتذرّع به للسيطرة على المواد الأوّليّة في الخارج. وقد اختير الإسلام عدوّاً جديداً بدل الشيوعيّة، لأنّه يمثّل كتلة كبرى في عزّ غليانها في الشرق الأوسط، وهو المكان الذي يتوافر فيه ـــــ مصادفةً ـــــ أكبر احتياطي نفط في العالم.
ويتوقّع صاحب «مأزق الإمبراطوريّة الأمريكية» أنّ انهيار الإمبراطوريّة الأميركيّة، كما هو الأمر دائماً بالنسبة إلى كل الإمبراطوريّات، سيكون دموياً. ويذكّر هنا بأزمة عام 1929 التي أدّت إلى وقوع الحرب العالميّة الثانية، معتبراً أنّ أميركا ستفتعل حروب جديدة، والمواجهة مع إيران ستكون حتميّة، «لأنّ أيّ دولة تقف عائقاً أمام النظام الرأسمالي الذي يحيا على التوسّع الخارجي تُضرب تلقائياً».
ويجزم فنسان الغريّب بأنّ أوباما لن يتمكّن من إنقاذ الاقتصاد الأميركي، لأنّ الأزمات الاقتصاديّة الأميركيّة هي بنيويّة. ومشروع الرئيس الجديد لا يمثّل خروجاً عن التوجّه الرأسمالي أو أهداف بوش، فالفرق بين الديموقراطيين والجمهوريين، هو أنّ الأول يستعمل «القوّة اللّينة» والآخر «القوة الخشنة».
إلاّ أنّ صعود الإمبراطوريّات وسقوطها لا يجريان سريعاً. لذلك يرى أنّ بعض دول الجنوب، بينها الصين والبرازيل والهند... مع روسيا طبعاً، تملك فرصةً لخلق مشروع سياسي واقتصادي بديل يمثّل العولمة المنفتحة على الآخر، والتواصل الحضاري بين الشعوب. ويضيف الغريّب: «من هنا ضرورة إحداث تغييرات في بنية الأمم المتّحدة، وخصوصاً في تركيبة مجلس الأمن، عبر إشراك قوى جديدة من بلدان الجنوب... ومن هنا أهميّة الجمعيّات المدافعة عن حقوق الإنسان وثروات الجنوب، ضدّ احتكار الغرب لها».