صباح أيوب «لا يمكنك أن تحارب دولة من دون محاربة شعبها»، لعلّها الشهادة الأكثر واقعية لأحد الضباط الأميركيين الذين شاركوا في غزو العراق عام 2003. هذه الشهادة ـــــ إضافة إلى عشرات الحقائق الصادمة ـــــ جُمعت في شريط وثائقي بعنوان The Ground Truth after the killing ends (إخراج وإنتاج باتريسيا فولكرود) الذي بدأت «شوتايم» بعرضه أخيراً. الوثائقي (72 دقيقة) الذي انتهى تصويره عام 2006، يواكب الجنود المتطوّعين في الجيش الأميركي منذ تقديم طلباتهم حتى عودتهم إلى أميركا، مروراً بفترة التدريب ومرحلة القتال في العراق. ويركّز على تأثير الحرب السلبي على الجنود العائدين، كاشفاً عن أمراض نفسية وعصبية أدّت ببعضهم إلى الانتحار.
«لا بطولات في الفيلم ولا وجوه تبتسم بعد العودة من الحرب، ولن تروا العلم الأميركي يرفرف عالياً في السماء!» هكذا تتحدّث فولكرود عن فيلمها على موقعها الإلكتروني. يكسر الفيلم، بما يتضمّنه من شهادات حيّة ومؤثّرة، الصورة النمطية التي حاولت الإدارة الأميركية بالتعاون مع هوليوود تثبيتها في أذهان المواطنين الأميركيين والعالم وهي صورة «الجندي البطل الذي يخوض حرباً على الإرهاب في العراق». وعلى رغم أنّ الفيلم لا يعارض مبدأ الحرب، بل يطالب بتحسين ظروف الجنود خلال المعارك وبعدها، إلا أنّه يبرز واقعاً مستمراً في العراق مع استمرار الاحتلال الأميركي والانتهاكات بحق الشعب العراقي.
«هدفك الأول والأخير هو القتل»، هكذا يشرح أحد الضبّاط، لكنّ «القتل» هو الموضوع الذي لا يتحدّث عنه أحد أثناء حملات التطوّع. على العكس، تركّز تلك الحملات على «فوائد» الالتحاق بالجيش كالضمان الاجتماعي والمدفوعات المدرسية... لكن لغة القتل تظهر ابتداءً من اليوم الأول من التدريب حيث يجبر المدرّبون المجنّدين على استخدام كلمة «اقتل» مع كل حركة هجومية يؤدّونها. «ماذا تتوقع أن يفعل شاب في التاسعة عشرة من عمره بعد أن تسلّمه بندقية حربية، وتقول له إذا أردت أن تعود إلى بلدك ورؤية حبيبتك مجدداً، عليك أن تقتل كل كائن يقف بوجهك»، يسأل أحد الضباط. أما فولكرود فتتحدث عن عملية «التجريد من الإنسانية» خلال التدريب. شهادات القتال بدورها عبّرت عن عدم أهليّة الجنود لخوض المعارك. ومرحلة ما بعد الحرب أظهرت الأمراض النفسية التي يعاني الجنود منها وأدّت ببعضهم إلى الانتحار. وتتحدث شقيقة أحد الجنود المنتحرين عن عبارة كان يردّدها شقيقها وهي: «ألا تعرفين أنّ أخاك هو قاتل؟». صدمة، خوف، شعور بالخيانة وخيبة الأمل هي ما يجمع عليه الجنود حتى قال أحدهم «إذا أخبرت زوجتي عن عدد المدنيين الذين قتلتهم فسأتحول بنظرها من بطل إلى وحش».