ديما شريفعزيزي جوزف،
تستغرب من رفع الكلفة بيننا ومناداتي لك «عزيزي»، رغم أننا لم نلتقِ، تقول؟ لكننا التقينا «رسمياً» مرتين. أتذكر؟ كانت المرة الأولى في «اتحاد الشباب الديموقراطي» في بداية 2006. جئت لتحدثنا عن الوضع العام وعن «الأخبار». أتذكرني؟ أنا تلك الفتاة التي كانت تجلس في مؤخرة الصالة مشرئبّة الأذنين لتحفظ كلّ كلمة تنطقها. عندما انتهى اللقاء، تجمهر حولك الرفاق، لكنني خجلت من الاقتراب، فخرجت لأدخّن سيجارة على الشرفة، وعندما عدت إلى الداخل لم أجدك. قالوا لي «الأستاذ جوزف في المكتب مع الرفاق. ادخلي». لعنت السيجارة. ما لا تعرفه يا جوزف هو أنني درت حول غرفة المكتب ما يقارب أربع مرات، لكنني لم أجرؤ على الدخول. خجلت مجدداً، رغم أنّ كلّ ما أردت فعله هو مصافحتك وإخبارك بأنني معجبة جداً بك، والاحمرار كأنني مراهقة تلتقي بمغنّيها المفضّل.
ألا تذكرني؟ حسناً. ربما تذكر المرة الثانية التي التقينا فيها: في الرابع من آذار (مارس) 2007. استيقظتُ باكراً لأصل مع جمع من محبّيك في الوقت. في باحة الكنيسة كنّا كثراً وأحسست بأننا نحتفي بك ونحن نحمل الوردة الحمراء. سأخبرك شيئاً. عندما خرج التابوت من الكنيسة بكيت، وأنا لا أبكي بسهولة، وخصوصاً أمام الناس. بكيت كثيراً ذاك النهار، ولم آبه للجموع حولي، ولم أسعَ لإخفاء وجهي. لكنني لم أذهب إلى المقبرة. هناك كنت سأحسّ بأننا فعلاً فقدناك. مشيت قليلاً وراءك ثم انكفأت.
إنهما اللقاءان الوحيدان بك. لكنّنا تواعدنا مئات المرات على مقال يومي، كنت التهمه مع فطوري ليكون رأيي لهذا النهار. سأخبرك سراً أرجو أن يبقى بيننا. لسنوات وأنا أينما ذهبت، كنت تكوّن الآراء في عقلي من دون أن تعرف ذلك. كنت أقرأ مقالاتك وأحفظها لأعرف ماذا يحصل في البلد وما يتوقع أن يحصل مستقبلاً، لأنني لم أعرف كيف أحلّل شيئاً.
كنت حين أقول شيئاً وأتشاجر مع أهلي بشأن موضوع سياسي ما، ويقول لي والدي «أنت لا تعرفين شيئاً»، كنت أجيبه بتحدٍّ «الأستاذ جوزف هيك قال. يعني أكيد هيك رح يصير». أحبّك أهلي من محبتي لك. ولهذا، في 25 شباط (فبراير) 2007 شاركتني والدتي الحزن، وتركتني أبكيك بصمت دون أن تتدخل.
لهذا بعثت إليّ أختي برسالة قصيرة من كندا تعزّيني فيها. لم أكن أعرف وقتها أنك رحلت. أجبتها برسالة «من توفي؟». فردّت علي «لقد توفي ذلك الصحافي الذي تحبينه كثيراً، ميشال سماحة». في تلك اللحظة، أحسست بأنّ شقيقتي، التي خلطت بين اسمك واسم الوزير السابق، تمزح بطريقة سمجة.
سأخبرك شيئاً. لا أزال احتفظ بتلك الوردة التي أعطوني إياها في جنازتك. بعد سنتين، لا تزال الوردة الحمراء التي جفّفتها في خزانتي، ومقالتك الأولى في «الأخبار» «توقيت صائب» معلّقةً فوق مكتبتي، تستقبلانني كلما عدت إلى طرابلس.
أتريد أن تسمع شيئاً مضحكاً؟ أحياناً، عندما أهمل عملي قليلاً وأتسكّع في الرواق مع الزميلات في العمل ونحن نثرثر، أراك تنظر إلينا من آخر الممر من تلك الصورة الكبيرة، فأعود مسرعة إلى عملي، وأردّد في نفسي «إذا ما كرمال حدَن كرمال جوزف». وعندما أغضب من أحدهم وأهرع إلى الحمام لأنفّس عن غضبي، ألمح وجهك المبتسم فأعود إلى هدوئي.
لست أردد جملاً فارغة عندما أقول لك إنك لا تزال بيننا بعد مرور سنتين على رحيلك. فأنت فعلاً بيننا، في كل نجاح تحققه «أخبارك»، وفي عيون الزملاء الذين تسنّى لهم العمل معك وهم يذكرونك تذكّراً شبه يومي.
عزيزي جوزف، شكراً لك على وقوفك إلى جانبي وتكوين وعيي السياسي في مرحلة حساسة من حياتي، كنت في أشد الحاجة إليك فيها، واسمح لي بأن أقول لك إنني اشتقت إليك.