نقابة الفنّيين السينمائيين في لبنان» احتفلت بعيدها الـ 57، وأمطرت أعضاءها دروعاً، و... أعلنت ولادة مهرجان سينمائي جديد! صخب الاحتفال غطّى (موقتاً) على الأسئلة الحقيقيّة والتحديات المطروحة
سناء الخوري
مصوّرون في كلّ مكان. قصر «الأونيسكو» في بيروت تحت الأضواء. المناسبة؟ تكريم السينما اللبنانيّة! أو بالأحرى، كانت «نقابة الفنيين السينمائيين في لبنان» تكرّم نفسها مساء أول من أمس. بالونات سوداء وبيضاء استقبلت أهل الفنّ السابع على مدخل القاعة، كما في الأعراس، وامتدت إلى خشبة المسرح التي تراكمت إلى يمينها دروع تكريم كثيرة، لـ«تكريم الجميع». دروعٌ ذهبيّة لم نفهم على أي أساس منحت ولماذا، ولم يكفِ الوقت لتوزيعها كلّها على من حضر (ومن غاب)، فبرنامج الأمسية كان مزدحماً. نحن هنا للاحتفال بقانون تنظيم المهن الفنيّة الذي أُقِرَّ أخيراً... فقطفه وزير الثقافة الحالي الذي لا يفعل سوى العبور في الوزارة في موسم انتخابي! اختارت النقابة ذكرى تأسيسها الـ 57، وفاجأت الرأي العام بإطلاق... «مهرجان السينما اللبنانية».
بعد هرج ومرج، والتقاط صور لنجوم الصف الأول، والنشيد الوطني، عرض «بروموشن» لتاريخ السينما في لبنان على أنغام موسيقى كلاسيكيّة منتصرة. حيّا الشريط بلفتة لطيفة عميد السينمائيين جورج قاعي، وعدداً من مخرجي الرعيل الأول، مثل علي العريس صاحب الفيلم اللبناني الأول «عذاب الضمير» (1944)، لكنّه لم يصل إلى المحطات الحاسمة في مسيرة يصعب تسميتها «تاريخاً»، تلك التي تتمثّل في مارون بغدادي وبرهان علويّة وجان شمعون... وقبلهم وكريستيان غازي عميد المخضرمين أول الحالمين بسينما لبنانيّة عصريّة، إنسانيّة، ملتزمة، ومقاتلة. حماسة «البروموشن» استكملها صبحي سيف الدين، نقيب الفنيين السينمائيين في كلمته. إذ أعلن أنّ قانون تنظيم المهنة سيكون بداية «ثورة فنية وثقافية... تتحدى الطائفية والمذهبية والعنصرية».
وزير الثقافة تمام سلام، كان أول المكرّمين نظراً إلى أن القانون أُقرّ في «عهده»، لكنّه اعترف بنزاهة: «قطاع السينما لم يحظَ بعنايتي بشكل كافٍ. لكنّني عابر في الوزارة والسينمائيون باقون». ملاحظة في مكانها، فالمخرجون الذين حقّقوا 483 فيلماً طويلاً، لما أنجزوا شيئاً يذكر لو اعتمدوا على دعم القطاع العام.
مفاجأة السهرة، كانت النجمة مادلين طبر التي أعلنها النقيب سيف الدين «مقررة مهرجان السينما اللبنانيّة» ودورته الأولى عام 2010. ولمن لا يعلم، فطبر مسجلةٌ على لائحة النقابة بصفة «سيناريست». وكان الموقف الأول الذي أعلنته بصفتها الرسميّة الجديدة، شعورها بـ«الرهبة أمام هذا الحمل الثقيل والصعب»، وإصرارها على النجاح رغم الثغر، ومن بينها «أنّنا منذ 40 سنة لم ننظّم مهرجاناً، فنحن لا نملك التراكميّة». «السيدة المقرِّرة» التي ستباشر «جمع التبرعات» بدءاً من القصر الجمهوري، فاتها ربّما أن هناك في لبنان أكثر من مهرجان سينمائي مستقل وناجح منذ سنوات، بعيداً عن أية رعاية رسميّة، وأن الحاجة الفعليّة اليوم ليست إضافة مهرجان جديد تديره بيروقراطيّة حكوميّة، بموظفيها ومحسوبياتها.
هواجس أخرى كانت تطرح همساً في القاعة. غسان سلهب، أحد أبرز سينمائيي الجيل الجديد، وصاحب «أشباح بيروت» قال: «بدل أن يجمعوا أموالاً ويصرفوها على مهرجان، لماذا لا يستثمرونها من أجل تأسيس صندوق لدعم الإنتاج السينمائي؟». المخرج الشاب سيمون الهبر صاحب «سمعان بالضيعة» رأى أنّ «قانون تنظيم المهنة بداية جيّدة لتنظيم العمل السينمائي»، لكنّه تساءل إن كان كافياً حقاً: «ما هو متوافر يسمح للسينمائي بإنتاج فيلم أو فيلمين، من دون أي مردود جدّي، ليقف بعد ذلك متسائلاً كيف سيدفع إيجار منزله». تفاؤل الجيل الشاب بقانون قد ينظّم المهنة، ويمنع الاحتكار، ويعطي الأمان المعيشي للعاملين في القطاع، لم يمنعه من اتّخاذ مسافة نقديّة من الحدث. إذ إنّه يخشى ألا يكون للإنجاز التشريعي أي أثر يذكر على مستوى الإنجاز الفنيّ والإنتاجي.
أما المخضرمون فقد جاءت احتجاجاتهم من نوع آخر: جان شمعون مثلاً، خرج غاضباً ومعه درعه التكريمية. وأبدى خيبته من طريقة اختيار المكرّمين تلك الليلة. وذكّر «الأخبار» أنّه من الذين طالبوا مراراً بتشكيل لجنة اختصاصيين تلجأ إليها وزارة الثقافة، لتحديد معايير فنية تخضع لها طلبات دعم المشاريع الإنتاجيّة التي يتقدّم بها السينمائيّون. وأضاف ساخراً: «السينما ليست كليبات ودعايات!»، منتقداً النقابة على تكريمها العشوائي لمبدعي الفنّ السابع، وفي الآن نفسه منفّذي الإعلانات والكليبات (وليد ناصيف، سعيد الماروق...). لكن للاستعراض أحكامه يا أستاذ جان، فلا بدّ من «توابل» تبرّر نقل الاحتفال على شاشة «روتانا» (شكراً لعريف الاحتفال المذيع عماد هواري). المخرج الكبير كريستيان غازي، كان مستاءً أيضاً من هذا «المستوى» بحسب تعبيره... قال، هازئاً بمن تجمهروا حول «الكوكتيل»: «الليلة كان الدفن الرسمي للسينما اللبنانيّة».


طبر أم مطر؟