عثمان تزغارتلا شك في أنّ السينمائي الفرنسي من أصل بولندي، رومان بولنسكي، يُعدّ واحداً من أبرز صنّاع السينما العالمية. من «طريق مسدود» إلى «ماكبث» مروراً بـ «رقصة مصّاصي الدماء»، أسهم هذا السينمائي الإشكالي في التأسيس لسينما «الموجة الجديدة» في فرنسا. لكنّه اختلف لاحقاً مع بقية أقطابها (غودار، تروفو، شابرول...)، على خلفية اعتراضه على تعطيل مهرجان «كان 1968» تضامناً مع انتفاضة الطلبة التي كانت تهز باريس لأسباب تجارية تتعلّق بالترويج لفيلمه Rosmary’s Baby الذي كان مرجّحاً أن ينال «السعفة الذهبية» تلك السنة. ما جعل بولنسكي يتعرّض لحملة أفقدته شعبيته في فرنسا، فتوجّه إلى هوليوود...
لكن أحداثاً تراجيدية عجّلت عودته إلى القارة العجوز، وخصوصاً بعدما تعرّض لحملة في الإعلام الأميركي، إثر مقتل زوجته الممثلة شارون تيت بأيدي أتباع السفّاح الشهير جان مينسون. اتهمت الصحف الأميركية بولنسكي بالمسؤولية الأخلاقية عن الجريمة لأنّ القتلة استلهموا عنف فيلمه Rosmary’s Baby. في 1978، إثر اعتقاله بسبب إقامة علاقة مع قاصر، اغتنم فرصة إطلاقه بكفالة للهرب إلى باريس (ما زال ممنوعاً من دخول الولايات المتحدة إلى اليوم).
لكن شيئاً انكسر في أعماق بولنسكي ولم يعد محبّوه يجدون في أفلامه اللاحقة رغم رواجها التجاري («القراصنة»، «أوليفر تويست»...) ذلك الجنون العبقري الذي صنع شهرته أفلامه الأولى. حتى «عازف البيانو» (2002) الذي حقّق حلمه القديم بالفوز بـ «سعفة كان» طغت فيه الصنعة الأسلوبية المفتعلة على البعد الإنساني، رغم أنّه يتناول «المحرقة النازية». والمعروف أنّ بولنسكي عاش خلال طفولته في «غيتو فارسوفيا» ووالدته قضت في معتقل «أوشفيتز». لكن الشرخ الذي أحدثته الأحداث التراجيدية في حياته قتلت توهجه العاطفي وحوّلته إلى إنسان منغلق ومتعال، ما انعكس على أفلامه. هذا الشرخ ترصده مارينا زينوفيتش في شريطها التوثيقي الذي يُعرض في الصالات الأوروبية بعنوان «رومان بولنسكي: مطلوب ومرغوب». يسلّط الشريط الضوء على شخصية بولنسكي الإشكالية، وكل جوانب حياته ومسيرته وشخصيته، بما فيها «نقاط الظل» المريبة، وأبرزها القضية الجنسية. إذ حاورت المخرجة القاضي الذي تولّى التحقيق في القضية وأقنعت «عشيقة بولنسكي القاصر» البالغة حالياً 44 عاماً، بالتحدث للمرّة الأولى عن صلاتها المحرّمة بصاحب «طريق مسدود».