علي السقّايمكن تصنيف كتاب فوزي شعيبي «شاهد من المخابرات السورية 1955 ـــ 1968» (دار الريّس) من بين كتب الشهادات الأمنية الناتجة من معاينة مباشرة بحكم الموقع الأمني لأصحابها. يروي شعيبي في كتابه محطات مفصليّة من تاريخ الوحدة بين مصر وسوريا، إلى حلف بغداد والصراع بين أقطاب السياسة السورية، منطلقاً من نظرية «المؤامرة» التي تنزع إلى تناسي حجم المعضلات الاجتماعية والثقافية التي تتخبط فيها الشعوب العربية وتردّها بالجملة إلى الغرب. يبدأ شعيبي كتابه بعرض عشائر مسقط رأسه دير الزور، ليعدّد بعدها الأحزاب، فيعرّف بحزب البعث على أنّه الأقوى «في منطقة تعتزّ بانتسابها إلى العروبة» ويقارنه «بالسوريين القوميين الذين كان يستهويهم الطابع شبه العسكري للحزب والمؤتمرات المختلطة التي كانوا يحضرونها»، وصولاً «إلى شيوعيين ليس لهم وزن أو فعالية»، ما يدفع إلى الاعتقاد بأنّ الجميع ـــ باستثناء البعث ـــ «متآمرون».
من جهةٍ ثانية، يعثر القارئ على الرواية التفصيلية «لمؤامرة حلف بغداد على سوريا» بهدف إقامة حكم موالٍ لنوري السعيد، ثمّ اكتشافها ومحاكمة المتورّطين، ما جعل من عبد الحميد السرّاج عسكريّاً «ذا سطوة على أقرانه»، ثمّ «حاكماً في الظل» في عهد حكومة صبري العسلي. قُدِّر للسرّاج، يعاونه عددٌ من الضبّاط، أن يدفع باتجاه الوحدة بين مصر وسوريا وذلك رغم «رغبة عبد الناصر الملحّة بالتمهّل حتى تستوفي الوحدة شروط قيامها». ثمّ يسرد شعيبي نتائج الوحدة السلبية في بلد يعجّ بالانقلابات وتُحظر كل الأحزاب والحركات السياسية. عدّ لبنان في حينها «موطئ المتآمرين والهاربين»، ما دفع بالمخابرات العامة إلى إلقاء القبض على فرج الله الحلو «شيوعي دخل البلاد خلسة» ومن ثم تصفيته. بعد ذلك، يفسّر شعيبي الانفصال بين مصر وسوريا من زاوية أمنية بحت تتعالى على الواقع الاجتماعي والسياسي السوري قبل قيام الوحدة وما تراكم من «أخطاء» بعد قيامها على يد الضباط والسياسيين المصريين والسوريّين، وإرجاعها إلى «مخطّط انفصالي» لبعض الضبّاط المعارضين. هكذا، باءت المحاولات الحثيثة لإعادة الوحدة إلى فشل يعزوه شعيبي إلى أسباب أمنية أيضاً، يُفهم منها أنّ وحدةً بين بلدين يمكنها أن تقوم على يد بضعة ضباط، ومن ثم تتهدد بالانفصال وينفرط عقدها بواسطة ضابطين. إنّها مشكلة العقل الأمني في قراءة التاريخ بحيث تبدو تلك القراءة كملاحقة بين العسكر واللصوص.