ارتباط وثيق بالمدينة و«اقتراب» أوّل الغيثزينب مرعي
افتتاح «مركز بيروت للفنّ» BAC، أكثر من مناسبة ثقافيّة واجتماعيّة من النوع الذي تحبّه المدينة. إنّه ربّما مفترق طرق في مسار الفنّ المعاصر في لبنان والمنطقة. عندما زرنا، قبل أيام، هذا الفضاء الواسع في جسر الواطي (أبواب بيروت)، كانت رائحة الطلاء والخواء تفوحان منه في انتظار لحظة الصفر. مصنعٌ قديم للمفروشات يمتد على مساحة 1500 متر مربّع، حُوِّل إلى مساحة مخصّصة للفن المعاصر، على يد المديرة السابقة لغاليري SD ساندرا داغر والتشكيليّة لميا جريج وهيئة إداريّة تضمّ ماريا عصيمي وربيع مروّة وبسام قهوجي، فيما صمّم الهندسة الداخليّة للمركز رائد أبي اللمع. يتألف المركز من قاعة للعرض، وصالةٍ صغيرةٍ لمشاهدة الأفلام وعروض الأداء والحفلات الموسيقيّة، يتناسب حجمها وهندستها واقعياً مع حجم المهتمين بهذه العروض الثقافيّة، كما تقول لميا جريج. ويحتوي المركز أيضاً على مكتبة رقميّة وأخرى لبيع الكتب والمجلاّت المتخصّصة بالفنون البصريّة، إضافةً إلى مقهى وشرفةاختيار «الفن المعاصر» محوراً ومنطلقاً لهذا المكان كان محسوماً منذ البداية، بالنسبة إلى لميا جريج. فعملها الفني كان مكرّساً لهذه الاتجاهات التي مثّلت مجال خبرتها. وقد شاركت جريج في معارض عربيّة وعالميّة عدّة (من اليابان إلى فرنسا، مروراً بتونس والقاهرة) قدّمت خلالها عروضاً وتجهيزات وأعمالاً مختلفة نذكر منها Je d>histoires وObjets de guerre وهي أعمالٌ كان هاجسها الأساسي الحرب. فكرة المركز بدأت تتبلور في 2004، وقد تطلّب الوصول إلى حيّز التنفيذ جهداً كبيراً، أثّر أحياناً على عمل جريج فنّانةً، الأمر الذي أقلقها في البداية. لكنّها ترى في الوقت عينه أنّ «مركز بيروت للفن» هو «أعظم مشاريعها حتى الآن لارتباطه الوثيق بالمدينة»، ولأنّه يسمح لها بالانفتاح والتعرّف إلى الكثير من الفنّانين، ما يضاف إلى رصيد مشاركاتها في العديد من المعارض المحليّة والعالميّة. أمّا ساندرا داغر فترى في المشروع «خطوةً جديدةً كانت تحتاج إليها... فتجربة غاليري SD كانت جيدّة لكن محدودة، بما أنّ أهدافها كانت تجاريّة في الدرجة الأولى».
مشروع هاتين السيدتين الشابتين واجه تحديات عدّة منذ البداية، أبرزها الأوضاع الأمنيّة والسياسيّة التي صعّبت الحصول على التمويل اللازم. ثم جاءت مشكلة اختيار المكان. شهدت المدن الغربيّة في العقود الأخيرة انتشار ظاهرة تحويل مخازن ومعامل وفضاءات قديمة، في أحياء صناعيّة نائية، إلى أماكن عرض ومراكز فنيّة... لكن اختيار هذا المقرّ على أبواب بيروت، لا يخضع لأحكام «الموضة». تشرح جريج أنّ السبب كان «الحاجة إلى مكان فسيح، بكلّ بساطة». كانت الخيارات محصورة في البداية بين منزل مؤلّف من طبقات عدّة أو أي مركز آخر كبير، إلى أن وجدت ساندرا ولميا ضالتهما في مصنع مفروشات مهجور في منطقة جسر الواطي.
أمّا وقد حُلّت عقدة المكان، فإن التمويل صار التحدي الأكبر الذي سيشغل المؤسّستين، بما أنّ المركز هو المؤسسة غير التجاريّة الأولى من نوعها في لبنان. في «مركز بيروت للفنّ»، لن يقف بين الفنان وعرضه لعمله سوى موافقة الهيئة الإداريّة، ومهمتها المحافظة على مستوى فنّي معيّن للأعمال المعروضة. وقد عُلّقت على حائطٍ في المركز أسماء الممّولين والرعاة لعامي 2008 ــــ 2009، وعلى القائمة شركات تجاريّة ومصارف، إضافة إلى تبرعات فرديّة. السعي لتوفير التمويل اللازم يبقى إذاً تحدياً دائماً لضمان استمرار المركز سنةً تلو أخرى. لكنّ ضعف برامج التمويل للمشاريع الثقافيّة في البلد لا يحبط لميا جريج التي ترى أنّ «الحركة الفنيّة في لبنان اليوم أقوى من السابق، فالحياة الفنيّة نضجت في هذا البلد أخيراً». وتضيف: «إن كان المجتمع اللبناني يريد لمركز مماثل أن يستمرّ، فعليه أن يشارك ويتبرّع».
ضمن إمكاناته المحدودة، يعد «مركز بيروت للفنّ» الجمهور، بأربعة معارض سنوياً (فرديّة أو جماعيّة)، أوّلها معرض «اقتراب» الذي افتتح أنشطة المركز أخيراً وتشارك فيه مجموعة كبيرة من الفنانين اللبنانيين والعرب والأجانب، بينهم: جنان العاني، إميلي جاسر، منى حاطوم، جيل داغاتا، لينا صانع... ويستمرّ حتّى 2 نيسان (أبريل) المقبل.
وعن المعرض الثاني، تقول جريج إنّه سيتحوّل إلى محطّة سنوية مخصّصة للشباب اللبنانيين أو المقيمين في لبنان، يتنافسون فيها على نيل جائزة Fidus التي يمنحها المركز، وهي عبارة عن خمسة آلاف دولار. كما يستضيف BAC كلّ أربعاء، نشاطاً في صالة العروض، وتفتح الهيئة الإداريّة أبوابها لكلّ من يرغب بإنتاج عمل أو معرض.
تتمنّى لميا جريج وساندرا داغر أن تكون نظريّتهما عن تنامي جمهور الفنّ المعاصر في العالم العربي ولبنان صحيحة. وتطمح مؤسِّستا «مركز بيروت للفنّ» ومعهما هيئته الإداريّة إلى تحويل هذه المساحة الجديدة إلى مكان حيّ يستقطب جمهوراً لم يعد يقبل على زيارة المعارض الفنيّة. ومع الوقت، سيحاولون تعريف طلّاب المدارس والجامعات بالمركز من خلال برامج مخصّصة لهم.


«مركز بيروت للفنّ» ـــ (جسر الواطي، بيروت) ــــ 01/397018
www.beirutartcenter.org