بيسان طي«حياة الجغل صعبة». العبارة ليست مستجدّة على قاموسنا اليومي، تبنّاها المسرحي الشاب جو قديح ليجعلها عنواناً لعرض مسرحي ينتقد من خلاله ممارسات وسلوكيات، بل لنقل أسلوب حياة شبان في لبنان من مختلف الطبقات الاجتماعية ومن مختلف المناطق. يقف قديح وحيداً على المسرح، في عمل يحمل توقيعه مخرجاً وممثلاً... أما إدارة الممثل فتولاها المخرج المسرحي المخضرم جلال خوري. يفتتح العرض على «جغل» أمام مرآته، المرآة وهمية، كوهم الحياة المرفّهة التي يتخيل هذا النوع من الشباب أنّه يعيشها. لنبدأ من الجميزة، لأن جغل الجميزة لا يشبه «جغل» المناطق الأخرى، لهجته مختلفة، تلك اللكنة المطعّمة بإيقاع الكلام الإنكليزي، ومظهره مختلف عن أي جغل آخر، سيارته وملابسه والفتيات اللواتي يحاول صيدهنّ، كلها أمور مختلفة عما يعيشه «زملاؤه» في المناطق الأخرى. «جغل» الجميزة ـــ والـ«جغل» اقتباس لبناني خاص جدّاً لكلمة gigolo ــــ يحب الفتيات اللبنانيات اللواتي يعشقن السهر في مطاعم الوسط التجاري، ونوادي الطبقات العليا التي لا يدخلها إلا «المدعومون» والميسورون جداً، يحيلنا قديح إلى تفاصيل كثيرة، إلى السيارة التي يخجل بها هذا الجغل مقارنة بالسيارات الفارهة في الوسط، إلى المشروبات التي يقدمها لفريساته اللواتي لن يلبث أن يضيّعهن. إنه مجرد ورقة عبور بالنسبة إليهن، إلى ذلك النادي، وإلى الشباب الأثرياء. يذكّرنا قديح بلهجة شبابية تنتشر في بعض الأوساط، حيث حرف «ص» يُلفظ «سين» بميوعة مضحكة. من الجميزة إلى المعاملتين، والجغل الذي يعشق بائعات الهوى الآتيات من أوروبا الشرقية، أو معلّم السباحة الذي يتلهّى عن مرتادي المنتجع ليغرق في عالم تخيّلاته حول أجسام الفتيات الجميلات المتمدّدات أمامه. حياة الجغل صعبة، لأنّها تعكس غرقاً في الوهم، وهم التفوق في عيون النساء، وهْم القدرة على جذبهنّ. هكذا يضيع حياته كلّها سعياً وراء هذا الوهم، يغرق في حبه للمظاهر، كانعكاس لتعلق المجتمع اللبناني عموماً بالمظاهر. المظهر أحد مفاتيح النجاح الاجتماعي، وأحد انعكاساته.
العمل يبدو مسليّاً في نفاذه إلى طبائع فئة من الشباب المديني في بيروت اليوم، وهو لافت بالنسبة إلى قدرات قديح. لكن حبّذا لو أنه تجاوز القفشة واللطشة إلى بنية فنية أكثر نضجاً. يختار قديح الكوميك المباشر أسلوباً لتوجيه نقده اللاذع على المستوى الاجتماعي ثم السياسي... وإن كان أكثر توفيقاً في سعيه الأول، إذ نكتشف أن «الجغل» أسير الكذب والوهم والمظاهر... وأنّه في النهاية كائن ضعيف يبكي أمام والدته أو امرأته، يطلب منها أن تحتضنه.


حتى 1 شباط (فبراير) المقبل ــــ مسرح «مونو» (الأشرفية) ــــ 01/202422