حسين بن حمزة لا بد من أن القارئ سيستغرب صدور «منامات هيفا» باكورة محمد الحجيري، ضمن السلسلة الشعرية التي تواظب «دار النهضة» على إصدارها. إن وصف محتويات كتاب الحجيري بالشعر يصيب مجتمع قرّاء الشعر بالحيرة والتشوُّش. إذْ لم يسبق لهؤلاء أن قرأوا نصاً شعرياً يقوم على السرد والقص واليوميات العادية واللغة المباشرة التي تنتمي إلى حقل المقالات أكثر من انتمائها إلى عالم الشعر. ليس القصد هنا أن نسأل هل ما نقرأه قصيدة أم لا؟ أو هل هو نص شعري مفتوح؟ أو هل يقترح صاحبه إدخال أجناس أدبية مختلفة في نسيج هذا النص؟ لا يبدو الكتاب مكترثاً لأسئلة كهذه. إنه ماضٍ في إنجاز مادته الخاصة من دون الاحتكام إلى شروط أو معايير محددة.
المشكلة أنّ ما يلوح كتشويشٍ بسيط في هوية الكتاب، سرعان ما يتحول إلى مشكلة نصية أكثر تعقيداً. نتحدث هنا عن مشكلة بنيوية من دون تحميلها بحكم قيمة على أهمية ما يقدّمه لنا الكتاب. وهذا يعني أنّ القارئ قد يُعجب بمقاطع وتفاصيل كثيرة في نصوص الحجيري. ولكنّ إعجابه سيظل مصحوباً بنقص أو خللٍ لا يهتدي إلى كنهه بدقة. في النصوص المكتوبة على شاكلة قصيدة النثر ـــــ وهي قليلة على أي حال ـــــ لا نجد عنايةً كافية لجعل ما نقرأه قصائد نثر فخورة بشعرية قوية تسري في عباراتها. نعثر على صورة مضيئة هنا، أو سطر متماسك هناك، ولكنّ الحصيلة الأخيرة لا تُدهشنا كما تفعل أي قصيدة حقيقية. لنقرأ: «أعرف أننا نحرق الشعر/ ننام في القصائد ولا نسمع الكلمات/ أعرف أنني أكتب الشعر/ أنتظر انكساري عند أطراف ثوبكِ/ عند عبوركِ في السراب». اللغة العادية والرخوة التي نصادفها في المقطع السابق، تنتقل إلى النصوص الأخرى المكتوبة على سطور كاملة، محمَّلةً بالمباشرة والسرد والاستطراد. يحسب القارئ أنه يقرأ مقالات من ذلك النوع الذي ينشره الحجيري نفسه في الصحافة. الفارق أنّ ثمة جرعة شخصية حاضرة بوضوح في نصوص الكتاب. المؤلف يطلق على نفسه اسم سمعان ويروي قصصاً وأحلاماً وهوامات وآراء عن هيفا وسعاد حسني وأسمهان وأم كلثوم وشاكيرا وجنيفر لوبيز... إضافة إلى معلومات وتفاصيل متأتية من قراءات شخصية، فتمرُّ أسماء شعراء وروائيين وممثّلين وفلاسفة... قبل أن يُختم الكتاب بنص يروي فيه الحجيري شذرات مما يبدو أنها حياته الحقيقية. «منامات هيفا» كتاب منجز بمزاج خاص. لعل هذه الصفة هي هويته، يقول القارئ لنفسه.