مسألة تقاطع الشرق والغرب تفرض نفسها في المعرض الذي يستضيفه «المركز الثقافي الفرنسي» في بيروت، ويجمع أعمال عشر فنانات
نوال العلي
لعلّ الحميمية هي السمة الأساسية للمعرض الفوتوغرافي الذي يحتضنه «المركز الثقافي الفرنسي» حالياً في بيروت، تحت عنوان نساء الصورة» Femmes d›images، ضمن تظاهرة أدبيّة وفنية شاملة تدور حول المرأة. المعرض الذي أنتجته مؤسسة Culturesfrance (هيئة تابعة لوزارتي الخارجيّة والثقافة في فرنسا، تعنى بالتبادل الثقافي، www.culturesfrance.com)، يضمّ أعمال عشر فنانات يعشن في العالم العربي، أو تعود أصولهن إلى هذه المنطقة من العالم. تبدو الصور المعروضة حتى 3 شباط (فبراير) المقبل، كأنّها أوراقٌ مقتطعةٌ من دفتر يوميات. إنّ الملمح الشخصي متأصّل حتى في أكثر الصور عمومية. مسألة التقاطع بين الشرق والغرب تفرض حضورها، والفنّ بوصفه وسيلة للجمع بين عالمين هو البطانة الداخلية للمعرض برمّته.
التونسية باتريسيا تريكي لا تريدك أن تغادر المعرض، علاقتها بالمتفرّج تبدأ ما إن يترك المكان، صور «مورناق ـــــ الداخلية» تدفعك إلى البحث عن بلدةٍ تونسيّةٍ جنوبيةٍ اسمها مورناق، حيث كروم العنب التي صارت عصارتها اسماً في عالم النّبيذ. ربما لذلك تلمح صورة لثلاث زجاجاتٍ فارغةٍ في مطبخ مغسول. تتعمد تريكي أن ترتعش الصور بين يديها، المنازل من الداخل ترتجف كأنّ أحداً غادرها للتو.
ماجدة خطاري تعرض شريط «حلم فتيات صغيرات» لتحكي عن الزواج بخصوصيته المغربية، وتضع شعائره متوازيةً في مشاهد تبدأ بلوحة طقوس تجهيز العروس، ثم موكب «الشيخات»؛ وهنّ نساء يرقصن في أحد شوارع الدار البيضاء. وتقلّل الفنانة من صرامة التقاليد، فتزفّ رجلين ضمن الطقوس السائدة.
وفي انتظار المترو وركّابه، كرّست رنا النمر مشروعها «ركاب المترو»: صور تشهد على التطور المذعور الذي تعيشه الطبقة الوسطى في القاهرة، ومنها تنتقي مجموعة «نساء» لم يكنّ يكترثن لكاميرا الفنانة، بملامح اللامبالاة والضجر المسترخي. أحياناً تخفض المحجبات رؤوسهن، أخريات مهمومات يعطين الانطباع بأنّ قصة التصوير كلّها تثير السخرية. ومن فلسطين، تُعرض صور من قلنديا. الوجوه ليست ظاهرة، الأيدي فقط هي الموجودة، أيدٍ تسلّم حقائب وأكياس للتفتيش، أخرى تفتح المتاع وتفتّش فيه: إنّها رحلة الفزع اليومي على المعابر الإسرائيلية. الصور التقطتها ابنة القدس رلى حلواني، كأنّها مشاهد منجزة على مسرح القسوة. ومن صفاقس غادرت التونسية منى كاراي إلى اليابان، حيث أنجزت مشروعها «اللقاء»، الذي أظهرت فيه صديقتها كيوكو في غرفتها الضيقة وحياتها العادية.
العراقية جنان العاني لجأت إلى الأزياء وسيلةً للتعبير. وأظهرت أوروبيّات بملابس شعبيّة شرقيّة، يقفن في صف واحد بوجوه تواجه الناظر؛ كأنهن يهاجمنه بما يحملن من الحقيقة ونقيضها.
أمّا صور موسم الحجّ، فهي بكاميرا السعودية ريم الفيصل. والتقاط هذه الصور ليس أمراً سهلاً، وخصوصاً في إحدى الشعائر الدينية. صور لخيام الحجيج ومآذن الحرم المكيّ، أهلاً بالمتناقضات أو المحرّمات كلها، بدءاً من امرأة تمارس تصوير النساء والرجال، وفي الحج.
«مشربيّة» هو عنوان سلسلة صور التقطتها المصرية الألمانية سوزان هيفونا. المشربية الملوّنة تتيح النظر إلى العالم الخارجي، وتمنع النظر إلى العالم الداخلي. قصة امرأة تعيش بين عالمين، غربي وشرقي. ربما لذلك تختار هيفونا التصوير بالأبيض والأسود.
فيما تعرض اللبنانية أمل سعادة تجهيزاً من أفلام مصوّرة بين بيروت وريو دي جانيرو وباريس، وفيها تعبر الفنانة من شاشة إلى أخرى، تجتاز المدن الثلاث، تمشي لتسرد حكايات أصحاب فارقتهم وأماكن تفتقدها.
وأخيراً، تسرد الجزائرية فريدة حاماك قصة والدتها مع الهجرة. الصور ليست ملوّنة، والغنى الفني جليّ في اللقطات العائلية البهيجة. في التعليق الحميم الذي تمهر به حاماك الصور، صورة الأم وهي تصلّي، تقابلها صورة أخرى وهي ترسم حاجبيها.
الصور جسر بين زمنين أو أكثر، عالمين أو أكثر، شخصين أو أكثر. النساء في الصور أو «نساء الصور»، لا يختلفن كثيراً عنهن في الطريق أو البيت. إنّها رحلة الشقاء العادي.


3حتى 6 شباط (فبراير) المقبل ــــ «المركز الثقافي الفرنسي» (بيروت) ـ 01/420200