أحد رموز الأغنية الأفريقية منذ السبعينيّات، يحلّ غداً ضيفاً على بيروت حاملاً أغنياته التي تعكس معاناة القارة السوداء
بشير صفير
قبل أشهر، أطلق القيمون على «ليبان جاز» مهرجاناً موسيقياً دائماً في بيروت، حمل اسم «ليبان وورلد». وقد أراد منظمو المهرجان الشقيق من هذا المشروع، خلق فسحة موسيقية موازية لنشاط «ليبان جاز»، تفتح آفاق الحدث الموسيقي في بيروت على عوالم موسيقى الشعوب أو ما يُعرف بالـ«وورلد ميوزك». هكذا وظف مدير المهرجانين كريم غطاس الخبرة التي اكتسبها من خمس سنوات حافلة بمواعيد الجاز (الأوروبي عموماً)، في مجال موسيقي أكثر تنوعاً. المحطة الأولى للـ«ليبان وورلد» تعود إلى حزيران (يونيو) الماضي، حيث افتتح المهرجان عازف البيانو الكوبي، والعضو الجديد في الفرقة الأسطورة Buena Vista Social Club، روبيرتو فونسيكا. أما الموعد الثاني فيحل مساء غدٍ الأحد (في نادي «ميوزكهول» طبعاً)، ويحمل توقيع الفنان المخضرم بونغا، أحد رموز الأغنية الأفريقية التي عكست معاناة القارة السوداء (وبلده أنغولا) منذ سبعينيّات القرن الماضي.
ورث بونغا (اسمه الأصلي خوسيه أديلينو بارشيلو دي كارفالهو) المولود عام 1943، علاقته بالموسيقى من والده الذي كان عازف أكورديون في إحدى الفرق المحلية. تعلّم بدايةً العزف على الآلات الإيقاعية الأفريقية وتعمّق في أصول الموسيقى التراثية الخاصة ببلاده أو ما يُسمى بالـ«سِمبا». وهو النمط الذي يمثّل جذر الـ«سامبا» البرازيلية على مستوى الإيقاع تحديداً. بعدما اكتمل وعيُه السياسي، تخلّى بونغا عن اسمه الذي يحمل ندوب الاستعمار البرتغالي لبلاده. ندوبٌ لم يستطع محو تأثيرها عن نصوص أغانيه ولا عن نبرة صوته. قيل عن صوته إنّه مغمّس بالحزن والإحساس العميق، والأصح أنّ صوته أفريقي أسود بامتياز. ماذا يعني هذا الوصف؟ الصوت الأسود هو ذاك الذي يحمل شقاء العبودية تاريخيّاً. وهذه النبرة الممزقة والناضحة بالفرح في الوقت عينه، نجدها، إضافة إلى الأوصاف العامة، عند السود الأفارقة كما عند مغني البلوز والجاز والغوسبل الأميركيين. لكن ما يميّز الصوت الأفريقي عن الصوت الأميركي قد يكون مصدره التأثيرات المناخية على هذا وذاك.
بعد أولى تجاربه الموسيقية في بلده الأم، سافر بونغا إلى البرتغال ليناهض المستعمِر في عقر داره. فأصبح خوسيه عدّاءً يحتل المراتب الأولى في مسابقات الركض، وبعدها صار مغنياً ينكأ جراح الاستعمار متخفياً تحت اسم بونغا، قبل أن يكتشف البوليس أنّ بونغا وخوسيه ليسا إلا شخصاً واحداً. هكذا فرّ بونغا إلى هولندا، وعانى ما عاناه من تشرّد في منفاه الجديد. في روتردام، سجّل المغني الشاب ألبومه الأول عام 1972 «أنغولا 72» (أعيد إصداره عام 1997) فحمّله معاناة شعب لم يكفه بؤس الاستعمار، فأضيفت إليه مآسي الحروب الداخلية. بعد هولندا، انتقل بونغا إلى باريس حيث وسّع ثقافته الموسيقية، ساعياً إلى تطوير أنماطه الفنية الأفريقية، ورافضاً في الآن عينه «غرْبَنَتها» ونسف أصولها الإثنية. تتالت الألبومات والحفلات، لكن بونغا ـــ خلال أكثر من ثلاثين عاماً ـــ لم يستطع تحويل نظره عن تاريخ أسوَد سببه واحد ومعروف، فبقي أميناً لبداياته وكفاحه الدائم وحنينه على مستوى النغمة والإيقاع والكلمة إلى بيئته الأصلية.
في حفلة مساء غد في بيروت، سيقدّم بونغا (غناء وإيقاعات) مجموعةً من أغانية الخاصة برفقة أربعة موسيقيين من فرقته (غيتار، باص، أكورديون، درامز) جميعهم من أنغولا، وهذه التركيبة قريبة جداً لما نسمعه في تسجيلاته (الفرق طفيف لمصلحة تسجيلات الاستوديو الأخيرة). من جهة ثانية يمكن التأكيد ـــ حتى لمن لم لا يعرف بونغا ـــ أنّ الحفلة ستكون ممتعة! على رغم رتابتها نغماً وإيقاعاً (أقله في الظاهر)، وبساطتها على مستوى التوزيع الموسيقي وحزنها الثابت حتى في الشق الاحتفالي منها، تحمل الموسيقى الأفريقية إلى المستمع متعةً استثنائيةً... متعة الفرح غير المشروط.

9:00 مساء غد الأحد ـ «ميوزكهول» ـ للاستعلام: 01/566966