الفائز بجائزة نجيب محفوظ يريد مصالحة القارئ وإمتاعهمحمد شعير
جائزة نجيب محفوظ الذي منحته إياها أمس الجامعة الأميركية في القاهرة، ليست الأولى في تاريخ حمدي أبو جليّل (1967)، لكنّها الأكثر مدعاة للسعادة: « لقد ربطت بين اسمي واسم نجيب محفوظ». على رغم إقامته 20 عاماً في القاهرة، لم يلتقِ يوماً صاحب نوبل، لعلّ السبب أن الكاتب الشاب الذي اعتنق الحداثة مذهباً، كان يعتبر محفوظ يومذاك كاتباً «تقليدياً».
يحكي أبو جليّل: «عندما بدأنا الكتابة، كان هناك تصوّر بأنّ محفوظ انتهى. أدونيس قال مرةً إنّه لم يقرأ من أعماله سوى رواية «خان الخليلي». وهذا يدين أدونيس أساساً، فكيف يحكم على كاتب من دون قراءته؟ حينها، كان هناك هجوم مماثل على أمل دنقل، وعدّه بعض أبناء جيلي شاعراً جاهلياً. وهذا الخطاب الحداثي أثّر ربّما في نظرتي إلى محفوظ، فلم أقرأه إلا متأخراً. اليوم أعتبر روايته «المرايا» من أهم ما قرأت، إلى جانب «ألف ليلة وليلة»». يضحك: «ذات مرة فكرت في إجراء مقارنة بين مقولات أدونيس باعتباره الرمز المتعارف عليه للحداثة العربية، ومقولات جمال عبد الناصر باعتباره رمز ثورات التحرّر الوطني، واكتشفت تشابهاً متطابقاً بينهما في الأهداف وطرق تحقيقها لبلوغ التغيير. الأوّل دمّر الشعر. والثاني قادنا إلى الهزيمة التي لم نشفَ منها حتّى الآنإذا كان لا بدّ من وجه شبه بين محفوظ وأبو جليّل، فلعلّه قدرتهما على السخريّة. يتنصّل صديقنا: «يوسف إدريس أكثر الكتّاب الساخرين الذين تأثرت بهم، لأنّ سخريته تبحث عن التناقضات لدى الأشخاص. في روايته «حادثة شرف». يكتب عن فتاة تعرّى أمام أهل القرية لإثبات عذريتها. إنهّا سخرية مريرة، وفنيتها لم تخدش الحياء العام». لكن هل هناك ما يخدش الحياء في الكتابة؟ يجيب: «صرت مقتنعاً بأنّ الأعمال التي سبّبت مشكلات رقابية، هي فجة فنّياً». نذكّره برواية «وليمة لأعشاب البحر» التي كان مسؤولاً عن نشرها منذ سنوات مع إبراهيم أصلان، وأحيل بسببها على التحقيق. «تلك الرواية تمثّل اتجاهاً في الكتابة العربيّة، لكنّها كتابة لا أحبّها. «حادثة شرف» تناولت موضوعاً مليئاً بالألغام لكن ادريس لم يصدم معاصريه، لأنّه تعامل مع موضوعه تعاملاً فنياً». أما اختياره لجائزة محفوظ، فيرى فيه «تشجيعاً غير متوقّع لنوع معيّن من الكتابة... أدب يهدف إلى مصالحة القارئ وإمتاعه، حتى وإن كان ضد التقاليد المتعارف عليها للكتابة».
هل هذه الملامح هي أبرز التجديدات في الرواية العربية؟ يجيب: «أبرز ملامح التجديد هي التهاون بشأن التقاليد الأدبيّة. الكتابة السابقة رأت أنّ الأدب الذي يسعى إلى التجديد يكون في حالة خصام مع القارئ. الكتابة أصبحت هماً فردياً، وليست همّ أمة. اللغة أصبحت تنحو نحو البساطة، ربما بفعل التحديث الإلكتروني والبلوغرز. المتعة والقارئ هما من هموم الكتاب، قد يظهر ذلك أكثر في الشعر، قارن مثلاً بين هموم شاعر مثل الراحل أسامة الدناصوري، وأدونيس. جيل أسامة جعل مقولات الحداثة أشبه بـ «بالون» فُرِّغَ بإبرة، فصار خالياً من المضمون». ويضيف: «التجديد أيضاً ناتج من خطأ، من سوء تفاهم. تجديد اللغة نتيجة العجز عن توسيع القاموس اللغوي، فتأتي الكتابة المحايدة البسيطة». ولذا التجديد يأتي دائماً عن عجز، وهو ما شعرت به أثناء كتابتي روايتي «الفاعل» (دار ميريت) وأرى أن جائزة محفوظ التي توّجتها تشجيع على... العجز!».
لكن هل تمثّل «الفاعل» عودةً إلى عالم رغب أبو جليّل في مفارقته، عندما كتب روايته الأولى «لصوص متقاعدون» عن عالم المدينة، بينما تركّزت مجموعاته القصصية الثلاث «طي الخيام»، «أسراب النمل»، «أشياء مطوية بعناية» على عالم البدو؟ يجيب: «أرى أن «الفاعل» روايتي الأولى بمعنى ارتباطها بمشروعي الأدبي إذا جاز التعبير... فيها وصلت إلى نبرتي ولغتي. يمكن أن أخرج من درج مكتبي التجارب التي أردت كتابتها ولم أنهِها».
في الفيوم ولد وعاش، ولا يعرف كثيرون حياة البدو هناك وعاداتهم: «الناس هناك ليس لديهم مشكلة هوية، وعلاقتهم بمفهوم الدولة الحديثة بدأ مبكراً منذ الحملة الفرنسية. وشاركوا في كل الثورات في مصر. بل إنّ حامد باشا الباسل الذي نُفي مع سعد زغلول كان من البدو. أنا الآن وجدت الأداة والنبرة التي تتيح لي اقتحام هذا العالم، وأقول حاسبوني على روايتي المقبلة. «الفاعل» كانت مدخلي إلى عالم البدو، وتيقّنت عبرها أنّه يمكنني التضحية بقوانين الكتابة لا بالمتعة». تلك الرواية المقبلة عنوانها «الشرارة الأولى»، وتروي رحلته إلى ليبيا، حيث أقام عاماً في الصحراء، تحديداً في سبها. «سبها هي مدينة في الجنوب، درس فيها العقيد القذافي، وفيها قاد أول تظاهرة ضد الاحتلال. وقيل إنّها المدينة التي أُخفي فيها الإمام الصدر. كما أنّ طائرة ياسر عرفات سقطت هناك فراح أفراد من الجيش الليبي يبحثون عنه هناك، لكن بلا جدوى... إلى أن دلّتهم عليه الاستخبارات الأميركية. وعندما قام القذافي بزيارة أبي عمّار في المستشفى قال له بطريقته الساخرة: «يقولون إنّ الأميركان دلّونا عليك، هذا غير صحيح. إن جيشنا الباسل هو الذي وجدك».