بدت ليلة الانتخابات الأميركية على المحطات العربية منهِكة: تقارير إخبارية لم تقل شيئاً، ضيوف كرروا آراءهم، وتحليلات على الهواء استمرّت... حتى الفجر
صباح أيّوب
الساعة الرابعة بعد الظهر، الشاشات العربية واللبنانية واحدة والحدث: السباق إلى البيت الأبيض. من فرجينيا، من واشنطن، من فلوريدا، من نيويورك، من العراق، من إيران، من فلسطين المحتلّة، من المملكة العربية السعودية... وزّعت المحطات التلفزيونية أول من أمس مراسليها و«موفديها» على بعض الولايات الأميركية وملأت استوديوهاتها بالضيوف من العواصم العربية. حلّ اليوم المنتظر فبلغ المشهد الإعلامي اللبناني والعربي ذروته في مواكبة طويلة للانتخابات الرئاسية الأميركية.

مواكبة كانت قد تكثفت منذ شهر حتى أفرغت المؤسسات الإعلامية كل ما لديها الليلة الماضية، وبدت حماسية إلى درجة... منفِّرة! طلع الفجر على مذيعي الفضائيات العربية ومحلليها، واللهجة المستخدمة غمرتها نشوة متخفّية لخوض تجربة إيصال الرئيس الأميركي الجديد إلى الحكم... تلفزيونياً!
بدأ اليوم الإعلامي الطويل بصورة لدموع باراك أوباما لدى تلقّيه خبر وفاة جدته، ثم ما لبثت أن تتالت اللقطات له عندما وصل إلى مركز الاقتراع مصطحباً أفراد عائلته. بداية، وبسبب فارق الوقت، احتلّ مشهد واحد الشاشات العربية وهو صفّ المقترعين الطويل في مختلف الولايات. اتصلت التلفزيونات مباشرة بمن «أوفدتهم» إلى موقع الحدث، لكن هؤلاء لم يفلحوا في تحريك رتابة تلك الفترة فجاءت الرسائل وصفية كان من الممكن الاستعاضة عنها بالصور. حتى عناوين الحدث لم تكن مبتكرة، والعبارة التي طغت كانت: «السباق إلى البيت الأبيض». بعض المحطات استخدمت الخرائط، والأزرق والأحمر والجداول لتشرح كيف تجري العملية الانتخابية، لكن من دون جدوى... فالمشاهد العربي لم يكن يهمّه طيلة اليوم سوى معرفة النتيجة. أما بالنسبة إلى المشاهد اللبناني، فربما كان الشريط الإخباري في أسفل شاشة تلفزيون «أخبار المستقبل» كفيلاً بطمأنته وإشعاره بمدى ارتباطه بما يحدث من حوله، وخصوصاً أنّ الشريط كان تصريحاً للقائمة بالأعمال الأميركية ميشال سيسون حرفيّته «لا تغيّر في التزام واشنطن تجاه لبنان بعيداً عن نتائج الانتخابات
الأميركية»!
دقّت الساعة الثامنة، تتالت نشرات الأخبار المسائية اللبنانية. وهنا المفاجأة الكبرى. إذ تبنّت معظم القنوات التلفزيونية، وبشكل واضح، موقفاً داعماً لأحد المرشحَين، ورأت أنّ الانتخابات في حكم المنتهية. جاءت مقدمات النشرات مشبعة بعبارات مثل «تعبت أميركا من أبيضها وهي بانتظار الأسمر الذي سيحقّق حلم التغيير وينظّف البيت الأبيض من سواده... الشمس ستشرق على أميركا»! («الجديد») أو «محارب فيتنام مقابل السياسي الشاب المتحدّر من أصول أفريقية» («المنار»)... وفيما انسحبت معظم المحطات اللبنانية من المواكبة الليلية المباشرة استمرّت «أخبار المستقبل» بالتغطية، وقد سعت جاهدة إلى ربط الحدث العالمي بلبنان، فخصّصت فقرة إخبارية «جوهرية» وجدّية بعنوان: «ماذا يريد السياسيون اللبنانيون من رئيس أميركا الجديد؟»! أما الفضائيات («العربية» و«الجزيرة») فكان ليلها طويلاً، فتحت هواءها واستقبلت ضيوفاً بنوا تحليلاتهم على افتراضات، وطرحوا أفكارا ورؤىً كانت قد تكررت طيلة أشهر من على المنابر نفسها.
الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، خلد المشاهد العربي إلى النوم وهو على ثقة بأنه سيعرف النتيجة غداً... النتيجة فقط، هذا ما يريد. وهذا ما حصل عليه صباحاً، على لسان المذيعين أنفسهم مع فارق وحيد في التسمية: الرئيس المنتخَب باراك أوباما.