من «العربية» و«الجزيرة» إلى CNN وBBC

ماذا يحدثُ في نيويورك؟ وكيف قد يؤثر ذلك في المواطن العادي؟... مع اشتعال الضوء الأحمر في مؤشِّرَي «نازداك» و«داو جونز»، راحت الفضائيات العربية تلهث في سبيل الرد على السؤال الأول، تاركةً للمُشاهد عناء البحث عن الإجابة الثانية!

زينة منصور
حالما أُشعل الضوء الأحمر في مؤشِّرَي «نازداك» و«داو جونز» في «وول ستريت»، أُعلن هبوب عاصفة الأزمة المالية العالمية من نيويورك. من هنا، بدت نشرات الأخبار الاقتصادية، على الشاشات العربية والغربية، في حال استنفار طارئة لمواجهة الرياح الآتية من الشمال، لعلَّها تُخفف من سرعة دورانها. وأزمة المال العالمية مثَّلت امتحاناً صعباً للفضائيات العربية، إذ سارعت كلُّها إلى توفير التغطية الفورية. لذا، كان من الطبيعي أن تخطف الأخبار الاقتصادية الأضواء عن السياسة، وتتنافس الفضائيات العربية في استعراض قدراتها على نقل هذا الحدث العالمي الذي ما زالت تداعياته مستمرَّة حتى اللحظة، والذي اعتبره محللون يعادل بتاريخيّته انتخاب الرئيس الأميركي الجديد. وفي وقت كان المُشاهد العربي فيه يسأل: «ماذا يجري في نيويورك؟ ولماذا انهارت البورصة في «وول ستريت؟»، لم يأخذ جواباً من نشرات الأخبار الاقتصادية إلا ضجيج التغطية. كل ذلك، من دون أن تجتهد النشرات والبرامج الاقتصادية لمعرفة ماذا يريد المشاهد، وأيّ سؤال يريد إجابة عنه، وخصوصاً: «كيف تؤثِّر هذه الأزمة فيَّ شخصياً، وماذا أفعل للتخفيف من مضاعفاتها؟».
في العالم العربي، توّجهت جميع الأنظار صوب نشرات الأخبار الاقتصادية في «الجزيرة» و«العربية» و«سي أن بي سي» العربية، مسجلة أعلى نسبة مشاهدة لها منذ سنوات. وظهرت الأخبار الاقتصادية عاجلة، فعرضت «العربية» على سبيل المثال خبراً عاجلاً عن تعرض شركة «جنرال موتورز» لخسائر بلغت 2.5 مليار دولار. ويمكن القول إن هذه النشرات لم تصل بعد إلى المستوى الاقتصادي، بل هي ذات أهداف استثمارية. إذ يروّج بعضها لاستثمارات في دول خليجية معينة، فيما يروّج بعضها الآخر لاستثمارات في دول أخرى مجاورة... إلا أن الإجماع العربي الفضائي كان لمصلحة تعزيز الثقة بالنظام المالي العربي.
ولا شكَّ أن هذه الفقرات الاقتصادية كشفت، من خلال التحاليل التي قدمتها، عن إيديولوجيات مختلفة في مقاربة الأزمة المالية. وبينما قدمت بعضها تحاليل تنعى الرأسمالية وتؤكد تراجع مكانة الولايات المتحدة عالمياً، قالت أخرى إن الاقتصاد الأميركي لديه ما يكفي من القدرة على معالجة نفسه بنفسه. وفي الحالتين، تعاطت النشرات الاقتصادية العربية مع الأزمة من زاوية الحدث، في منطقة تعدّ من الأكثر تأثراً بما يحدث. ذلك أن المحلّلين الذين تنقلوا على الشاشات، اكتفوا بتكرار المعلومات، وسط غياب لرسم صورة معمّقة لما يجري. وفي قناتي «الجزيرة» و«العربية»، أُفردت مساحات للتغطيات الخاصة، وبينما اسثتمرت «العربية» نجاح كوادرها الاقتصادية في أسواق المال والبورصة في الخليج العربي، قامت «الجزيرة» بعرض أفلام وثائقية تشرح أبعاد الأزمة في الداخل الأميركي.
عموماً، يمكن القول إن الفضائيات نجحت في اجتياز هذا التحدّي على مستوى السرعة في نقل الحدث ومواكبته بالمعلومات، لا لجهة استيفاء الإرشادات والتوجيهات لمساعدة المشاهد المتضرر من الأزمة على معرفة كيفية إدارة حياته اليومية بطريقة تجنّبه آثارها السلبية. وحده من كان يتابع الإعلام الغربي وجد ضالّته في البرامج والأخبار على القنوات العالمية كـ«سي أن أن» و«بي بي سي» التي جعلت هدفها الأول توجيه نصائح عملية إلى المشاهدين في ترشيد مدفوعاتهم بطريقة مبسّطة الأمر. وعلى CNN مثلاً، ومن باب الاستدلال على الأبعاد الاجتماعية للتغطية الغربية، استضاف لاري كينغ، الاستشارية المالية للأفراد سوزي أوزمان، لتوجيه النصائح للمشاهدين في ما يتعلَّق بإدارة حياتهم، للوقاية من الآثار السلبية للأزمة على مستوى معيشتهم.
باختصار، أظهرت التغطية الأخيرة الحراك الكبير والنجاح في النشرات الاقتصادية العربية جراء ربطها بنظام السوق الحر والبورصة، ما يؤهّلها لأداء دور أكبر في المستقبل. وإن كانت هي الرابح الأكبر وسط كل ما يجري، فإن المشهد لن يكتمل إلا إذا تقاسمت ربحها مع المشاهد، كي لا يصبح هو... الخاسر الأكبر!


مسؤوليّة الإعلام

تطورت الأزمة المالية بسبب التداعيات الناجمة عن أزمة الرهون العقارية التي ظهرت على السطح عام 2007 بسبب فشل ملايين المقترضين لشراء مساكن وعقارات في الولايات المتحدة في تسديد ديونهم للبنوك. هل كان الإعلام مسؤولاً نسبياً عن هذه الأزمة؟ جدالٌ كبيرٌ دارت رحاه بين كبار الصحافيين الاقتصاديين، فور هدوء الأزمة. ورأى داني شيشتر أن الإعلام الأميركي ارتكب خطأين: الأول مرده إلى أن صناعة الصحافة في الولايات المتحدة تعدّ الذراع التسويقية الأهم لتجارة العقارات. وعلى ضوء هذه العلاقة، غضت الصحف الأميركية الطرف عما كان يحدث في السوق العقاري من انهيارات لعدم تمكّن الناس من تسديد ديون المساكن التي اشتروها، وبالتالي عرضها للبيع. والخطأ الثاني أن الصحف والإعلام المرئي، لم يمارسا الدور الأساسي كسلطة رابعة عن طريق إنذار الرأي العام بما يحدث مبكراً.


مصائبُ قومٍ...

بعد الأزمة المالية، بلغت عائدات إعلانات «ذي اكونوميست» 25 في المئة زيادة عن العام الماضي. وارتفعت مبيعات الـ«فايناشيل تايمز» 30 في المئة. أما موقع «وول ستريت جورنال» فدخله 65 مليون زائر، وارتفعت نسبة مشاهدة «سي أن بي سي» إلى 650 ألفاً في الساعة