معرض «بابار مرسوماً: مسودات مبكرة ومائيّات» أعاد إلى الواجهة نقاشاً قديماً بشأن كتب الأطفال: ماذا لو كان الفيل اللطيف بين الأعمال التي تروّج للاستعمار والتفوّق العرقي والرأسمالية؟
ديما شريف
بعد أيام على افتتاح معرض Drawing Babar: Early Drafts And Watercolors في متحف «مورغان» في نيويورك، ارتفعت الأصوات المنتقدة لكتب الأطفال «المؤدلجة». إذ يتهم بعض النقاد هذه السلسلة بالترويج للحضارة الهجينة التي أنتجتها الكولونيالية الفرنسية في مستعمراتها، إلى جانب عنصريتها ونظرتها المجحفة بحق النساء. الكلام ليس جديداً وليس حكراً على سلسلة الكتب التي ابتكرها الرسام جان دو برونوف لأولاده عام 1931، وتحولت لاحقاً إلى برنامج تلفزيوني. وصمة الترويج للعنصرية أو الاستعمار شملت عدداً من الكتب الموجّهة للأطفال، مثل «تان تان» التي ابتكرها البلجيكي هيرجيه عام 1923، وسلسلة كتب «ملك الخواتم» لجي.آر.آر تولكين.
في سلسلة «ملك الخواتم» بأجزائها الثلاثة مثلاً يعيش الأبطال كلّهم وفق الحياة الإنكليزية التي تعرّف عليها تولكين بعد عودته إلى إنكلترا من أفريقيا، التي قضى فيها طفولته. في المقابل يصوّر تولكين الأشرار على أنّهم سود البشرة، لا يلبسون سوى القليل لتغطية أجسادهم. وهذا ما دفع عدداً من المختصين إلى وصف أعماله بـ «النوردية» أو «الإسكاندينافية»، والتأكيد على ترويج تولكين لتفوّق العرق الأبيض على الأسود حضارياً وثقافياً.
التفوّق العرقي الأوروبي موجود أيضاً في سلسلة الكتب المصورة «تان تان» التي وصفت بالعنيفة، الاستعمارية والفاشيّة. وتتجلى هذه العنصرية في «تان تان في الكونغو»، إذ يتوجّه البطل إلى أطفال كونغوليين في مدرسة بعبارة «سأخبركم اليوم عن بلدكم الأم: بلجيكا». كما يصوّر المؤلف هؤلاء بشفاه كبيرة يلبسون جلود الحيوانات. وكانت «لجنة المساواة العرقية» في بريطانيا قد طلبت سحب الكتاب من الأسواق بعد اعتراضات على محتواه العنصري عام 2007.
تفوّق الدولة المستَعمِرَة موجود بطريقة فاضحة في قصص «بابار». إذ يطلع القارئ اطّلاعاً مبطّناً على نتائج الاستعمار كما أرادت فرنسا أن تريها للعالم. فالفيل الذي يعيش في مدينة سيليستفيل الموجودة في الأدغال، يذهب إلى باريس ليعود بعدها ومعه «الحضارة الفرنسية» التي اكتسبها من «المتحضّرين» عبر ارتدائه الثياب والأحذية الأوروبية والوقوف على رجليه! هكذا، يتحوّل بالنتيجة كل مواطني مملكته إلى فيلة متحضّرة تمشي على رجلين وتلبس الثياب الأوروبية الحديثة وتتصرف كالباريسيّين. لا يمكن هنا إلا العودة إلى التغيير الكبير الذي كانت تشهده فرنسا في تلك الفترة ـــ أي الثلاثينيات والأربعينات ــــ في سياستها الخارجية. إذ جرى تبديل النموذج القديم الذي يتبجّح بالاستعمار المباشر، بالنموذج الجديد الذي يبشّر بمهمة فرنسا «الحضارية» في العالم. كما يركّز دو برونوف على أسلوب الحياة البورجوازية التي يعيشها بابار وعائلته ومحيطه: فالفيلة في سيليستفيل لا تعمل إلا صباحاً، لتتفرّغ بعدها لمشاهد عرض مسرحي مستوحى من الـComédie Française. كما أنّ بابار وعائلته يمارسان أنواعاً محدّدة من الرياضة: التنس، سباق اليخوت، والتزلج!
هذه التفاصيل التي تزخر بها هذه الأعمال دفعت الكاتب هيربرت كول إلى طلب منع السلسلة في كتابه «هل يجب حرق بابار؟». فهو يصنّفها على أنّها نخبوية تروّج للرأسمالية. أما الناقد آريال دورفمان، فرأى أنّ جان دو برونوف عندما تخيّل بلاد الفيلة المستقلة «كان يستبق إجبار الأحداث التاريخية فرنسا على وضع نظرية النيو ـــ كولونيالية موضع التنفيذ». إذ لم تستطع فرنسا أن تحكم السيطرة على مستعمراتها فاضطرت إلى الرحيل العسكري عنها تاركةً تأثيرها الثقافي فيها. وينتقد دورفمان سيطرة فكرة واحدة على الكتب مفادها أنّ الدول النامية ستنجح إذا تشبّهت بالدول المتحضرة.
أما النساء في «بابار»، فبقين تقليديّات يعملن فقط في مجالي التعليم والفنون الجميلة، أو ربّات بيوت مثل زوجة بابار، التي تركت مهنتها كراقصة في السيرك وتفرّغت لتربية أولادها.
www.themorgan.org