عوضَ أن تنصبّ، أمس، جهود اللقاء الذي نظّمه «مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية في الشرق الأوسط»، لإطلاق سراح المعتقلين في السجون السورية... تحوّل النقاش نحو تقويم نظام دمشق
ليال حداد
امرأة تزور سجيناً بعد أكثر من عشر سنوات على وجوده في معتقل تدمر في سوريا. كان السجين لا يتمالك نفسه من تكرار ندائه «يُمّا كيفك... يُمّا إيش في؟». وكانت المرأة تختنق بالتشنّج وتظلّ عاجزة عن إخباره بأنها أخته... وأنّ أمّه ماتت. يصمتُ المعارض السوري أحمد الطيار. تدمع عيناه، ليعود ويكمل الروايات التي تنقل عن المعتقلين السياسيين في السجون السورية. ثلاث عشرة قصّة أخبرها الطيار، أمس، في اللقاء الذي نظّمه مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية في الشرق الأوسط «سكايز»، في مركز سمير قصير في الأشرفية، تضامناً مع معتقلي إعلان دمشق، أولئك الذين صدرت بحقّهم أخيراً أحكام قضائية بالسجن.
ومع انتهاء الطيار من الكلام، قرأ الكاتب إلياس خوري البيان التضامني مع المعتقلين «وهو غير صادر عن المركز بل عن مجموعة من المثقفين والصحافيين، ونحن نجمع التواقيع»، أعلن خوري. طالبَ البيان الأساسي «بالإفراج الفوري غير المشروط عن الاثني عشر كاتباً وفناناً وصحافياً...». كما طالب بالإفراج الفوري عن الكاتبين ميشال كيلو ومحمود عيسى. وافَق جميع الحاضرين على هذه الفقرة، إلا أن النقاش بدأ مع قراءة الفقرة الثانية التي شددت على «السلطة التي لا تحترم كتَّابها، بل تزجُّ بهم في أقبية السجون وتعذّبهم. هي سلطة لا تقمع فقط الكتاب، وإنما تضع المجتمع بأكمله في سجنها الكبير». فاعترض الكاتب كريم مروة على هذه الفقرة، مطالباً بتركيز البيان على التضامن مع المعتقلين من دون التطرّق إلى تقويم النظام السوري. وبعد نقاشٍ بين موافق على الفكرة «لأن هذا البيان لا يعنينا فقط، فهناك أشخاص متضامنون مع المعتقلين ولكنهم لا يرون أن النظام السوري سيّئ»، ومعارض للتعديل «لأنّ هذه العبارة تمثّل الحقيقة»... رضخ خوري أخيراً، وحذف عبارة «تضع المجتمع بأكمله في سجنها الكبير».
غير أن هذا التعديل لم يحصل من دون إمرار كل شخص رأيه السياسي. فخوري تحدّث بصراحة عن نظرته إلى النظام بصفته «مدمّراً، فالحكام السوريون يدمّرون مجتمعهم»، فما كان من مروّة إلّا أن أكد أنه أيضاً يرى النظام ديكتاتورياً وقمعياً.
انتهى اللقاء بتوقيع الصحافيين على البيان، وأعلن خوري أن البيان هو بداية، وقد تليه اعتصامات وتظاهرات! وهنا يطرح السؤال: لماذا اختار المركز إطلاق نشاطاته رسمياً بانتقاد النظام السوري، علماً بأن المركز معنيّ بحرية الإعلام والمثقفين في كل من سوريا ولبنان والأردن وفلسطين؟